للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدّولة ومنال الأحكام والقهر ولا محصول لديهم في ذلك إلّا هذا. وقد يقصد ذلك الموضع كثير من ضعفاء العقول للتّلبيس بدعوة يمييه [١] تمامها وسواسا وحمقا، وقتل كثير منهم. اخبرني شيخنا محمّد بن إبراهيم الأبلّيّ قال خرج برباط ماسة لأوّل المائة الثّامنة وعصر السّلطان يوسف بن يعقوب رجل من منتحلي التّصوّف يعرف بالتّويزريّ نسبة إلى توزر مصغّرا وادّعى أنّه الفاطميّ المنتظر واتّبعه الكثير من أهل السّوس من ضالّة وكزولة وعظم أمره وخافه رؤساء المصامدة على أمرهم فدسّ عليه السّكسيويّ من قتله بياتا وانحلّ أمره. وكذلك ظهر في غمارة في آخر المائة السّابعة وعشر التّسعين منها رجل يعرف بالعبّاس وادّعى أنّه الفاطميّ واتّبعه الدّهماء من غمارة ودخل مدينة فاس عنوة وحرق أسواقها وارتحل إلى بلد المزمة فقتل بها غيلة ولم يتمّ أمره. وكثير من هذا النّمط. وأخبرني شيخنا المذكور بغريبة في مثل هذا وهو أنّه صحب في حجّة في رباط العباد وهو مدفن الشّيخ أبي مدين في جبل تلمسان المطلّ عليها رجلا من أهل البيت من سكّان كربلاء كان متبوعا معظّما كثير التّلميذ والخادم. قال وكان الرّجال من موطنه يتلقّونه بالنّفقات في أكثر البلدان. قال وتأكّدت الصّحبة بيننا في ذلك الطّريق فانكشف لي أمرهم وأنّهم إنّما جاءوا من موطنهم بكربلاء لطلب هذا الأمر وانتحال دعوة الفاطميّ بالمغرب. فلمّا عاين دولة بني مرين ويوسف بن يعقوب يومئذ منازل تلمسان قال لأصحابه: ارجعوا فقد أزرى بنا الغلط وليس هذا الوقت وقتنا. ويدلّ هذا القول من هذا الرّجل على أنّه مستبصر في أنّ الأمر لا يتمّ إلّا بالعصبيّة المكافئة لأهل الوقت فلمّا علم أنّه غريب في ذلك الوطن ولا شوكة له وأنّ عصبيّة بني مرين لذلك العهد لا يقاومها أحد من أهل المغرب استكان ورجع إلى الحقّ وأقصر عن مطامعه. وبقي عليه أن يستيقن أنّ عصبيّة الفواطم وقريش أجمع قد ذهبت لا سيّما في المغرب إلّا أنّ التّعصّب لشأنه لم


[١] كذا في جميع النسخ وهو تحريف ولا معنى لكلمة يميه، ومقتضى السياق أن تكون العبارة:
«بدعوة يكون تمامها وسواسا وحمقا» وفي نسخة لجنة البيان العربيّ «بدعوة تمنيه النفس تمامها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>