يتركه لهذا القول والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وقد كانت بالمغرب لهذه العصور القريبة نزعة من الدّعاة إلى الحقّ والقيام بالسّنّة لا ينتحلون فيها دعوة فاطميّ ولا غيره وإنّما ينزع منهم في بعض الأحيان الواحد فالواحد إلى إقامة السّنّة وتغيير المنكر ويعني بذلك ويكثر تابعه. وأكثر ما يعنون بإصلاح السّابلة لما أنّ أكثر فساد الأعراب فيها لما قدّمناه من طبيعة معاشهم فيأخذون في تغيير المنكر بما استطاعوا إلّا أنّ الصبغة الدّينيّة فيهم لم تستحكم لما أنّ توبة العرب ورجوعهم إلى الدّين إنّما يقصدون بها الإقصار عن الغارة والنّهب لا يعقلون في توبتهم وإقبالهم إلى مناحي الدّيانة غير ذلك لأنّها المعصية الّتي كانوا عليها قبل المقربة ومنها توبتهم، فتجد ذلك المنتحل للدّعوة والقائم بزعمه بالسّنّة غير متعمّقين في فروع الاقتداء والاتّباع إنّما دينهم الإعراض عن النّهب والبغي وإفساد السّابلة ثمّ الإقبال على طلب الدّنيا والمعاش بأقصى جهدهم. وشتّان بين طلب هذا الأجر من إصلاح الخلق ومن طلب الدّنيا فاتّفاقهما ممتنع لا تستحكم له صبغة في الدّين ولا يكمل له نزوع عن الباطل على الجملة ولا يكثرون. ويختلف حال صاحب الدّعوة معهم في استحكام دينه وولايته في نفسه دون تابعه فإذا هلك انحلّ أمرهم وتلاشت عصبيّتهم وقد وقع ذلك بإفريقيّة لرجل من كعب من سليم يسمّى قاسم بن مرّة بن أحمد في المائة السّابعة ثمّ من بعده لرجل آخر من بادية رياح من بطن منهم يعرفون بمسلّم وكان يسمّى سعادة وكان أشدّ دينا من الأوّل وأقوم طريقة في نفسه ومع ذلك فلم يستتبّ أمر تابعه كما ذكرناه حسبما يأتي ذكر ذلك في موضعه عند ذكر قبائل سليم ورياح وبعد ذلك ظهر ناس بهذه الدّعوة يتشبّهون بمثل ذلك ويلبّسون فيها وينتحلون اسم السّنّة وليسوا عليها إلّا الأقلّ فلا يتمّ لهم ولا لمن بعدهم شيء من أمرهم. انتهى