للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمران ومحاها وجاء للدّول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها فقلّص من ظلالها وفلّ من حدّها وأوهن من سلطانها وتداعت إلى التّلاشي والاضمحلال أموالها وانتقض عمران الأرض بانتقاض البشر فخربت الأمصار والمصانع ودرست السّبل والمعالم وخلت الدّيار والمنازل وضعفت الدّول والقبائل وتبدّل السّاكن وكأنّي بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب لكن على نسبته ومقدار عمرانه وكأنّما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة والله وارث الأرض ومن عليها وإذا تبدّلت الأحوال جملة فكأنّما تبدّل الخلق من أصله وتحوّل العالم بأسره وكأنّه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث فاحتاج لهذا العهد من يدوّن أحوال الخليقة والآفاق وأجيالها والعوائد والنّحل الّتي تبدّلت لأهلها ويقفو مسلك المسعوديّ لعصره ليكون أصلا يقتدي به من يأتي من المؤرّخين من بعده وأنا ذاكر في كتابي هذا ما أمكنني منه في هذا القطر المغربيّ إمّا صريحا أو مندرجا في أخباره وتلويحا لاختصاص قصدي في التّأليف بالمغرب وأحوال أجياله وأممه وذكر ممالكه ودوله دون ما سواه من الأقطار لعدم اطّلاعي على أحوال المشرق وأممه وأنّ الأخبار المتناقلة لا تفي كنه ما أريده منه والمسعوديّ إنّما استوفى ذلك لبعد رحلته وتقلّبه في البلاد كما ذكر في كتابه مع أنّه لمّا ذكر المغرب قصّر في استيفاء أحواله وفوق كلّ ذي علم عليم ومردّ العلم كلّه إلى الله والبشر عاجز قاصر والاعتراف متعيّن واجب ومن كان الله في عونه تيسّرت عليه المذاهب وأنجحت له المساعي والمطالب ونحن آخذون بعون الله فيما رمناه من أغراض التّأليف والله المسدّد والمعين وعليه التّكلان وقد بقي علينا أن نقدّم مقدّمة في كيفيّة وضع الحروف الّتي ليست من لغات العرب إذا عرضت في كتابنا هذا.

اعلم أنّ الحروف في النّطق كما يأتي شرحه بعد هي كيفيّات الأصوات الخارجة من الحنجرة تعرض من تقطيع الصّوت بقرع اللهاة وأطراف اللسان مع

<<  <  ج: ص:  >  >>