للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية. وهي الغزاة التي هلك فيها في منصرفه منها، وأنهم أبلوا البلاء الحسن فدعا لهم وأذن في رجوعهم قبل استتمام الغزاة. ولما تحيّزت زناتة أمام كتامة وصنهاجة اجتمع شعوب بني واسين هؤلاء كلّهم ما بين ملوية كما ذكرناه. وتشعّبت أحياؤهم وبطونهم، وانبسطوا في صحراء المغرب الأقصى والأوسط إلى بلاد الزاب وما إليها من صحارى إفريقية إذ لم يكن للعرب في تلك المجالات كلّها مذهب ولا مسلك إلى المائة الخامسة كما سبق ذكره. ولم يزالوا بتلك البلاد مشتملين لبوس العزّ مشمّرين للانفة، وكانت مكاسبهم [١] الأنعام والماشية، وابتغاؤهم الرزق من تحيّف السابلة، وفي ظل الرماح المشرّعة، وكانت لهم في محاربة الأحياء والقبائل ومنافسة الأمم والدول ومغالبة الملوك أيام ووقائع، نلمّ بها ولم تعظم العناية باستيعابها، فنأتي به. والسبب في ذلك أنّ اللسان العربيّ كان غالبا لغلبة دولة العرب وظهور الملّة العربية، فالكتاب والخط بلغة الدولة ولسان الملك، واللسان العجمي مستتر بجناحه مندرج في غماده، ولم يكن لهذا الجيل من زناتة في الأحقاب القديمة ملك يحمل أهل الكتاب على العناية بتقييد أيامهم وتدوين أخبارهم، ولم تكن مخالطة بينهم وبين أهل الأرياف والحضر، حتى يشهدوا آثارهم لإبعادهم في القفار كما رأيت في مواطنهم، وتوحّشهم عن الانقياد، فبقوا غفلا إلى أن درس منها الكثير، ولم يصل إلينا بعد ملكهم إلّا الشارد القليل يتبعه المؤرّخ المضطلع في مسالكه، ويتقرّاه في شعابه ويثيره من مكامنه، وأقاموا بتلك القفار إلى أن تسنّموا منها هضبات الملك على ما تصفه.


[١] وفي نسخة ثانية: وكان جل مكاسبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>