الرّشيد أيّام أبيه فجئتهما جوف اللّيل فإذا عندهما كتاب من كتب الدّولة يعني الحدثان وإذا مدّة المهديّ فيه عشر سنين فقلت: هذا الكتاب لا يخفى على المهديّ وقد مضى من دولته ما مضى فإذا وقف عليه كنتم قد نعيتم إليه نفسه.
قالا: فما الحيلة فاستدعيت عنبسة الورّاق مولى آل بديل وقلت له انسخ هذه الورقة واكتب مكان عشر أربعين ففعل فو الله لولا أني رأيت العشرة في تلك الورقة والأربعين في هذه ما كنت أشكّ أنّها هي ثمّ كتب النّاس من بعد ذلك في حدثان الدّول منظوما ومنثورا ورجزا ما شاء الله أن يكتبوه وبأيدي النّاس متفرّقة كثير منها وتسمّى الملاحم. وبعضها في حدثان الملّة على العموم وبعضها في دولة على الخصوص وكلّها منسوبة إلى مشاهير من أهل الخليقة وليس منها أصل يعتمد على روايته عن واضعه المنسوب إليه فمن هذه الملاحم بالمغرب قصيدة ابن مرّانة من بحر الطّويل على رويّ الرّاء وهي متداولة بين النّاس وتحسب العامّة أنّها من الحدثان العامّ فيطلقون الكثير منها على الحاضر والمستقبل والّذي سمعناه من شيوخنا أنّها مخصوصة بدولة لمتونة لأنّ الرّجل كان قبيل دولتهم وذكر فيها استيلاءهم على سبتة من يد موالي بني حمّود وملكهم لعدوة الأندلس ومن الملاحم بيد أهل المغرب أيضا قصيدة تسمّى التّبعيّة أوّلها:
طربت وما ذاك منّي طرب ... وقد يطرب الطّائر المغتصب
وما ذاك منّي للهو أراه ... ولكن لتذكار بعض السّبب
قريبا من خمسمائة بيت أو ألف فيما يقال ذكر فيها كثيرا من دولة الموحّدين وأشار فيها إلى الفاطميّ وغيره والظّاهر أنّها مصنوعة ومن الملاحم بالمغرب أيضا ملعّبة من الشّعر الزّجليّ منسوبة لبعض اليهود ذكر فيها أحكام القرانات لعصره العلويّين والنّحسين وغيرهما وذكر ميتته قتيلا بفاس وكان كذلك فيما زعموه وأوّله:
في صبغ ذا الأزرق لشرفه خيارا ... فافهموا يا قوم هذي الاشارا