للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلمسان، ورجع إلى الحضرة عقد لعبد القويّ هذا على قومه ووطنه، وأذن له في اتخاذ الآلة، فكانت أوّل مراسم الملك لبني توجين هؤلاء. وكانت حالهم مع بني عبد الواد تختلف في السلم والحروب. ولما هلك السعيد على يد يغمراسن وقومه كما ذكرناه، استنفر يغمراسن سائر أحياء زناتة لغزو المغرب، ومسابقة بني مرين إليه، فنفر معه عبد القوي في قومه سنة سبع وأربعين وستمائة وانتهوا إلى تازى، واعترضهم أبو يحيى بن عبد الحق أمير بني مرين في قومه، فنكصوا واتبعهم إلى انكاد فكان اللقاء، وانكشفت جموع بني يادين وكانت الهزيمة التي ذكرناها في أخبار بني عبد الواد. وهلك عبد القوي مرجعه منها في سنته بالموضع المعروف باحمون [١] من مواطنهم. وتصدّى للقيام بعده بأمرهم ابنه يوسف، فمكث في تلك الإمارة أسبوعا، ثم قتله على جدث أبيه أخوه محمد بن عبد القويّ، وولي عهد أبيه سابع مواراته. وفرّ ابنه صالح بن يوسف إلى بلاد صنهاجة بجبال المدية، فأقام بها هو وبنوه. واستقلّ محمد برياسة بني توجين، واستغلظ ملكه، وكان الفحل الّذي لا يقرع أنفه. ونازعه يغمراسن أمره ونهض إلى حربه سنة تسع وأربعين وستمائة وعمد إلى حصن تافركينت فنازله، وبه يومئذ حافده عليّ بن زيان بن محمد في عصابة من قومه، فحاصره أياما وامتنعت عليه فارتحل عنها، ثم تواضعوا أوزار الحرب ودعاه يغمراسن إلى مثل ما دعا إليه أباه من غزو بني مرين في بلادهم فأجاب. ونهضوا سنة سبع وخمسين وستمائة ومعهم مغراوة فانتهوا إلى كلدمان ما بين تازى وأرض الريف. ولقيهم يعقوب بن عبد الحق في جموعه فانكشفوا ورجعوا منهزمين إلى بلادهم كما ذكرناه. وكانت بينه وبين يغمراسن بعد ذلك فتن وحروب، فنازله فيها بجبل وانشريس مرّات، وجاس خلال وطنه. ولم يقع بعدها بينهما مراجعة لاستبداد يغمراسن بالملك، وسمّوه إلى التغلّب على زناتة أجمع وبلادهم، وكانوا جميعا منحاشين إلى الدولة [٢] الحفصيّة. وكان محمد بن عبد القوي كثير الطاعة للسلطان المستنصر.

(ولما نزل) النصارى الإفرنجة بساحل تونس سنة ثمان وستين وستمائة وطمعوا في ملك الحضرة، بعث المستنصر إلى ملوك زناتة بالصريخ فصرفوا وجوههم إليه، وخفّ من بينهم محمد بن عبد القويّ في قومه ومن احتشد من أهل وطنه، ونزل على السلطان


[١] وفي نسخة ثانية: ماحنون، وفي نسخة أخرى: ماحيون.
[٢] وفي نسخة ثانية: الدعوة الحفصيّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>