للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتونس وأبلى في جهاد العدوّ أحسن البلاء، وكانت له في أيامه معهم مقامات مذكورة، ومواقف مشهورة، وعند الله محتسبة معدودة. ولما ارتحل العدوّ عن الحضرة وأخذ محمد بن عبد القويّ في الانصراف إلى وطنه، أسنى السلطان جائزته، وعمّ بالإحسان وجوه قومه وعساكره، وأقطعه بلاد مغراوة وأوماش من وطن الزاب، وأحسن منقلبه. ولم يزل بعد ذلك معتقلا بطاعته مستظهرا على عدوه بالانحياش إليه. ولما استغلظ بنو مرين على يغمراسن بعد استيلائهم على أمصار المغرب واستبدادهم بملكه، وصل محمد يده بهم في الاستظهار على يغمراسن، وأوفد ابنه زيّان بن محمد عليهم.

ولما نهض يعقوب بن عبد الحق إلى تلمسان سنة سبعين وستمائة وأوقع بيغمراسن في الوقيعة التي هلك فيها ابنه فارس. نهض محمد بن عبد القوي للقائه ومرّ في طريقه بالبطحاء، وهي يومئذ ثغر لأعمال يغمراسن فهدمها. ولقي يعقوب بن عبد الحق في ساحة تلمسان مباهيا بآلته فأكرم يعقوب وفادته وبرّ مقدمه. ونازلوها أياما فامتنعت عليهم، وأجمعوا على الإفراج وتأذن لهم يعقوب بن عبد الحق متلوما عليها إلى أن يلحق محمد وقومه ببلادهم، حذرا عليهم من غائلة يغمراسن ففعل، وملأ حقائبهم باتحافه، وجنّب لهم مائة من الجياد العتاق بالمراكب الثقيلة، وأراح عليهم ألف ناقة حلوب، وعمّهم بالصلات والخلع الفاخرة، واستكثر لهم من السلاح والفازات والأخبية والحملان وارتحلوا، ولحق محمد بن عبد القويّ بمكانه من جبل وانشريس، واتصلت حروبه مع يغمراسن، وكثر اجلابه على وطنه وعيثه في بلاده. وهو مع ذلك مقيم على موالاة يعقوب واتحافه بالعتاق من الخيل والمستجاد من الطرف. حتى أنّ يعقوب إذا اشترط على يغمراسن في مهادنته جعل سلمهم من سلمه، وحربهم من حربه، وبسببهم كان نهوض يعقوب بن عبد الحق سنة ثمانين وستمائة لما اشترط عليه ذلك، ولجّ في قبوله، فنهض إليه وأوقع به بخرزوزة. ثم أناخ عليه بتلمسان، ووافاه هنالك محمد بن عبد القويّ فلقيه بالقصاب [١] ، وعاثوا في نواحي تلمسان نهبا وتخريبا. ثم أذن يعقوب لمحمد وقومه في الانطلاق إلى بلادهم، وتلوم هو بمكانه من ضواحي تلمسان مدة منجاتهم إلى مكانهم من وانشريس حذرا عليهم من اعتراض


[١] وهي القصبات: مدينة بالمغرب من بلاد البربر: معجم البلدان.
ابن خلدون م ١٤ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>