الجزية وبلغ بها أربعمائة ألف من الدنانير في كل سنة. ونزل له على اثنتين [١] من حصون المسلمين. وخشي ابن الأحمر أن يستغلظ عليه بالطاغية فجنح هو إليه وتمسّك بعروته، ونفر في جملته إلى منازلة إشبيليّة نكاية لأهلها. ولما هلك الأمير أبو زكريا نبذ الدعوة الحفصيّة، واستبدّ لنفسه، وتسمّى بأمير المسلمين، ونازعه بالشرق أعقاب ابن هود وبني مردنيش، ودعاه الأمر إلى النزول للطاغية من بلاد الفرنتيرة، فنزل عليها بأسرها. وكانت هذه المدّة من سنة اثنتين وعشرين إلى سنة سبعين، فترة ضاعت فيها ثغور المسلمين واستبيح حماهم، والتهم العدوّ بلادهم وأموالهم نهبا في الحروب، ووضيعة ومداراة في السلم. واستولى طواغيت الكفر على أمصارها وقواعدها فملك ابن أدفوش قرطبة سنة ست وثلاثين، وجيان سنة أربع وأربعين، وإشبيليّة سنة ست وأربعين.
وتملك قمط برشلونة مدينة بلنسية سنة سبع وثلاثين إلى ما بينهما من الحصون والمعاقل التي لا تعدّ ولا تحصى، وانقرض أمر الثوار بالشرق وتفرّد ابن الأحمر بغرب الأندلس، وضاق نطاقه على الممانعة دون البسائط الفيح من الفرنتيرة وما قاربها، ورأى أنّ التمسك بها مع قلّة العدد وضعف الشوكة مما يوهن أمره ويطمع فيه عدوّه، فعقد السلم مع الطاغية على النزول عنها أجمع. ولجأ بالمسلمين إلى سيف البحر معتصمين بأوعاره من عدوّهم. واختار لنزله مدينة غرناطة، وابتنى بها لسكناه حصن الحمراء حسبما شرحنا ذلك كله في مواضعه. وفي أثناء هذا كلّه لم يزل صريخه ينادي بالمسلمين من وراء البحر والملأ من أهل الأندلس يفدون على أمير المسلمين أبي يوسف للإعانة ونصر الملة، واستنقاذ الحرم والولدان من أنياب العدو فلا يجد مفزعا إلى ذلك بما كان فيه من مجاذبة الحبل مع الموحدين، ثم مع يغمراسن. ثم شغله بفتح بلاد المغرب وتدويخ أقطاره إلى أن هلك السلطان أبو عبد الله محمد بن يوسف ابن الأحمر المعروف بالشيخ، وأبي دبوس، لقبين كانا له على حين استكمال أمير المسلمين فتح المغرب وفراغه من شأن عدوّه سنة إحدى وسبعين وستمائة على أن بني مرين كانوا يؤثرون الجهاد ويسمون إليه وفي نفوسهم جنوح إليه وصاغية.
ولما استوحش بنو إدريس بن عبد الحق وخرجوا سنة إحدى وستين وستمائة على