للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطان يعقوب بن عبد الحق واسترضاهم واستصلحهم انتدب الكثير منهم للغزو وإجازة البحر لصريخ المسلمين بالأندلس، واجتمع إليهم من مطوعة بني مرين عسكر ضخم من الغزاة ثلاثة آلاف أو يزيدون وعقد السلطان على ذلك العسكر لعامر بن إدريس فوصلوا إلى الأندلس فكان لهم فيها ذكر ونكاية في العدوّ، وكان الشيخ ابن الأحمر عهد إلى ولده القائم بالأمر بعده محمد، الشهير بالفقيه، لانتحاله طلب العلم أيام أبيه. وأوصاه أن يتمسّك بعروة أمير المسلمين ويخطب نصره، ويدرأ به ويقدّمه عن نفسه وعن المسلمين تكالب الطاغية. فبادر لذلك لحين مواراة أبيه وأوفد مشيخة الأندلس كافة عليه، ولقيه وفدهم منصرفا من فتح سجلماسة خاتم الفتوح بالثغور المغربية وملاذ العز ومقاد الملك. وتبادروا للإسلام [١] وألقوا إليه كنه الخبر عن كلب العدو على المسلمين، وثقل وطأته، فحيّا وفدهم ورؤساءهم، وبادر لإجابة داعي الله واستئثار الجنة. وكان أمير المسلمين منذ أوّل أمره مؤثرا أعمال الجهاد كلفا به مختارا له حتى أعطي الخيار سائر آماله، حتى لقد كان اعتزم على الغزو إلى الأندلس أيام أخيه الأمير أبي يحيى وطلب إذنه في ذلك عند ما ملكوا مكناسة سنة ثلاث وأربعين وستمائة فلم يأذن له وفصل إلى الغزو في حشمه وذويه ومن أطاعه من عشيرته. وأوعز الأمير أبو يحيى لصاحب الأمر بسبتة لذلك العهد أبي علي بن خلاص بأن يمنعه الإجازة، ويقطع عنه أسبابها. ولما انتهى إلى قصر الجواز، ثنى عزمه عن ذلك الولي يعقوب بن هارون الخبري، ووعده بالجهاد أميرا مستنفرا للمسلمين ظاهرا على العدوّ، فكان في نفسه من ذلك شغل وإليه صاغية.

فلما قدم عليه هذا الوفد نبّهوا عزائمه وذكروا همته، فأعمل في الاحتشاد وبعث في النفير. ونهض من فاس شهر شوّال من سنة ثلاث وسبعين وستمائة إلى فرضة المجاز من طنجة. وجهّز خمسة آلاف من قومه أزاح عللهم واستوفى أعطياتهم وعقد عليهم لابنه منديل وأعطاه الراية. واستدعى من الغد صاحب سبتة في السفن لإجازتهم فوافاه بقصر الجواز عشرون من الأساطيل، فأجاز العسكر ونزل بطريف، وأراح ثلاثا، ودخل دار الحرب وتوغّل فيها، وأجلب على ثغورها وبسائطها. وامتلأت أيديهم من المغانم وأثخنوا بالقتل والأسر وتخريب العمران ونسف الآثار، حتى نزل


[١] وفي نسخة أخرى: وتنادوا للإسلام بالثأر.

<<  <  ج: ص:  >  >>