للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بساحة شريس، فخام حاميتها عن اللقاء وانحجروا في البلد، وقفل عنها إلى الجزيرة وقد امتلأت أيديهم من الأموال وحقائبهم من السبي وركائبهم من الكراع والسلاح.

ورأى أهل الأندلس قد ثاروا بعام العقاب حتى جاءت بعدها الطاعة الكبرى على أهل الكفر، واتصل الخبر بأمير المسلمين فاعتزم على الغزو بنفسه، وخشي على ثغور بلاده من عادية يغمراسن في الفتنة، فبعث حافده تاشفين بن عبد الواحد في وفد من بني مرين لعقد السلم مع يغمراسن والرجوع للاتفاق والموادعة. ووضع أوزار الحرب بين المسلمين للقيام بوظيفة الجهاد فأكرم موصله وموصل قومه. وبادر إلى الإجابة والألفة، وأوفد مشيخة بني عبد الواد على السلطان لعقد السلم. وبعث معهم الرسل وأسنى الهديّة وجمع الله كلمة الإسلام، وعظم موقع هذا السلم من أمير المسلمين لما كان في نفسه من الصاغية إلى الجهاد، وإيثاره مبرورات الأعمال. وبثّ الصدقات يشكر الله على ما منحه من التفرّغ لذلك. ثم استنفر الكافة واحتشد القبائل والجموع، ودعا المسلمين إلى الجهاد. وخاطب في ذلك كافة أهل المغرب من زناتة والعرب والموحّدين والمصامدة وصنهاجة وغمارة وأوربة ومكناسة وجميع قبائل البرابرة وأهل المغرب من المرتزقة والمطّوعة. وأهاب بهم وشرع في إجازة البحر، فأجازه من فرضة طنجة لصفر من سنة أربع وسبعين وستمائة واحتلّ بساحة طريف.

وكان لما استصرخه السلطان ابن الأحمر وأوفد عليه مشايخ الأندلس اشترط عليه النزول عن بعض الثغور بساحل الفرضة لاحتلال عساكره، فتجافى له عن رندة وطريف. ولما احتل بطنجة بادر إليه ابن هشام الثائر بالجزيرة الخضراء، وأجاز البحر إليه. ولقيه بظاهر طنجة فأدّى له طاعته وأمكنه من قياد بلده. وكان الرئيس أبو محمد بن أشقيلولة وأخوه أبو إسحاق صهر السلطان ابن الأحمر تبعا له في أمره ومؤازرا له على شأنه كله. وأبوهما أبو الحسن هو الّذي تولى كبر الثورة على ابن هود ومداخلة أهل إشبيليّة في الفتك بابن الباجي. فلما استوت قدمه في ملكه وغلب الثوّار على أمره فسد ما بينهما بعد أن كان ولّى أبا محمد على مقاله وأبا إسحاق على وادي آش [١] ، فامتنع أبو محمد بن أشقيلولة بمالقة واستأثر بها وبغربيتها دونه. ومع ذلك فكانوا على


[١] أش: بالفتح والشين مخففة، وربما مدت همزته: مدينة الأشات بالأندلس من كورة البيرة وتعرف بوادي أش، والغالب على شجرها الشاهبلوط، وتنحدر إليها أنهار من جبال الثلج، بينها وبين غرناطة أربعون ميلا، وهي بين غرناطة وبجّانة (معجم البلدان) .

<<  <  ج: ص:  >  >>