للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصاغية فيئة ولحمة. ولما أحس أبو محمد بإجازة السلطان يعقوب بن عبد الحق، قدم إليه الوفد من أهل مالقة ببيعتهم وصريخهم، وانحاش إلى جانب السلطان وولايته، وأمحضه المخالصة والنصيحة. فلما احتل السلطان بناحية طريف ملأت كتائبه ساحة الأرض ما بينهما وبين الجزيرة وتسابق السلطان ابن الأحمر، وهو الفقيه أبو محمد ابن الشيخ أبي دبوس صاحب غرناطة والرئيس أبو محمد بن أشقيلولة صاحب مالقة والغربية، وأخوه أبو إسحاق صاحب وادي آش إلى لقاء السلطان وتناغوا في برور مقدمه والإذعان له، ففاوضهما في أمور الجهاد، وأرجعهما لحينه إلى بلديهما. وانصرف ابن الأحمر مغاضبا لبعض النزعات أحفظته وأغذّ السير إلى الفرنتيرة، وعقد لولده الأمير أبي يعقوب على خمسة آلاف من عسكره. وسرّح كتائبه في البسائط وخلال المعاقل تنسف الزرع وتحطّم الغروس وتخرّب العمران وتنتهب الأموال وتكتسح السرح وتقتل المقاتلة وتسبي النساء والذرّية، حتى انتهى إلى المدور وتالسة [١] وأبدة [٢] واقتحم حصن بلمة عنوة. وأتى على سائر الحصون في طريقه فطمس معالمها واكتسح أموالها. وقفل والأرض تموج سبيا إلى أن عرس بأستجة من تخوم دار الحرب. وجاء النذير باتباع العدو وآثارهم لاستنقاذ أسراهم وارتجاع أموالهم. وأنّ زعيم الروم وعظيمهم ذنّته [٣] خرج في طلبهم بأمم بلاد النصرانية من المحتلم فما فوقه. فقدّم السلطان الغنائم بين يديه وسرّح ألفا من الفرسان أمامها، وسار يقتفيها، حتى إذا طلّت رايات العدو من ورائهم كان الزحف، ورتّب المصاف وحرّض وذكّر. وراجعت زناتة بصائرها وعزائمها وتحرّكت هممها، وأبلت في طاعة ربّها والذبّ عن دينها. وجاءت بما يعرف من بأسها وبلائها في مقاماتها ومواقفها.

ولم يكن إلّا كلّا ولا، حتى هبت ريح النصر وظهر أمر الله وانكشفت جموع النصرانية، وقتل الزعيم ذنّنه والكثير من جموع الكفر. ومنح الله المسلمين أكتافهم، واستمرّ القتل فيهم. وأحصي القتلى في المعركة فكانوا ستة آلاف، واستشهد من المسلمين ما يناهز الثلاثين أكرمهم الله بالشهادة وآثرهم بما عنده. ونصر الله حزبه


[١] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة ثانية: بايسة.
[٢] أبّدة: بالضم ثم الفتح والتشديد: اسم مدينة بالأندلس من كورة جيّان تعرف بأبدة العرب، اختطها عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك وتمّمها ابنه محمد. (معجم البلدان) .
[٣] وفي نسخة أخرى دتنه، وكذا في نفح الطيب ج ١ ص ٤٤٩ وقد ذكر أيضا ذونّنه ودونّنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>