(فمن ذلك قصيدة كتبها إليه ابن الأحمر سنة أربع وسبعين وستمائة بعد واقعة ذنّنه واعتزامه على الرجوع إلى المغرب، فخاطبه بها ليلة الإقامة بالجزيرة حذرا من غائلة العدو، وينحو فيها منحى الاستعطاف وهي من نظم كاتبه أبي عمر بن المرابط:
هل من معيني في الهوى أو منجدي ... من متهم في الأرض أو من منجد
هذا الهوى داع فهل من مسعف ... بإجابة وإنابة أو مسعد
هذا سبيل الرشد قد وضحت فهل ... بالعدوتين من امرئ مسترشد
يرجو النجاة بجنّة الفردوس أو ... يخشى المصير إلى الجحيم الموقد
يا آمل النصر العزيز على العدا ... أجب الهدى تسعد به وتؤيّد
سرّ النجاة إلى النجاة مشمّرا ... إنّ الهدى لهو النجاة لمن هدي
يا من يقول غدا أتوب ولا غد ... ألديك علم أن تعيش إلى غد
لا تغترر بنسيئة الأجل الّذي ... إن لم يحن لك نقده فكأن قد
سفر عليك طويلة أيامه ... لم تستعدّا لطوله فاستعدد
أو ما علمت بأنّه لا بدّ من ... زاد لكلّ مسافر فتزوّد
هذا الجهاد رئيس أعمال التقى ... خذمنه زادك لارتحالك تسعد
هذا الرباط بأرض أندلس فرح ... منه لما يرضي إلهك واغتدي
سوّدت وجهك بالمعاصي فالتمس ... وجها للقيا الله غير مسوّد
وامح الخطايا بالدموع فربّما ... محت الدموع خطيئة المتعمد
من ذا يتوب لربّه من ذنبه ... أو يقتدي بنبيّه أو يهتدي
وتعوّضت منهم بكلّ معاند ... مستكبر قد كان لم يتشهّد
كم من أسير عندهم وأسيرة ... فكلاهما يبغي الفداء فما فدي
كم من عقيلة معشر معقولة ... فيهم تودّ لو انها في ملحد
كم من وليد بينهم قد ودّ من ... ولداه ودّا أنّه لم يولد
كم من تقيّ في السلاسل موثق ... يبكي لآخر في الكبول مقيّد
وشهيد معترك توزّعه الردى ... ما بين حدّي ذابل ومهنّد
ضجّت ملائكة السماء لحالهم ... ورثى لهم من قلبه كالجلمد
أفلا تذوب قلوبكم إخواننا ... مما دهانا من ردى أو من ردي