للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره فعلى هذا القياس أضع الحرف المتوسّط بين حرفين من لغتنا بالحرفين معا ليعلم القارئ أنّه متوسّط فينطق به كذلك فنكون قد دللنا عليه ولو وضعناه برسم الحرف الواحد عن جانبه لكنّا قد صرفناه من مخرجه إلى مخرج الحرف الّذي من لغتنا وغيّرنا لغة القوم فاعلم ذلك والله الموفّق للصّواب بمنّه وفضله [١] .


[١] يعتبر ابن خلدون أول من حاول استخدام العلوم الاجتماعية والسياسية مجتمعة وتسخيرها لدراسة التاريخ، غير أنه لم يجد من يخلفه في الإسلام إلى أن جاءت المؤثرات الحديثة تؤثر في العالم الإسلامي وقد باءت بالفشل حتى اليوم كل محاولة لمعرفة المثال الّذي احتذاه ابن خلدون في تفكيره ومن المحتمل انه كانت في بيئته.
شمالي افريقيا وفي اسبانيا، أفكار تناقش أمامه بشكل أولي. غير أنه لا جدال في إبداعه الأساس، وقد ذكر ابداعه بقوة إذ قال «ونحن ألهمنا الله إلى ذلك إلهاما. وأعثرنا على علم بين بكرة وجهينة خبره، فان كنت قد استوفيت مسائله وميزت عن سائر الصنائع أنظاره وأنحاءه، فتوفيق من الله وهداية، وان فاتني شيء من إحصائه واشتبهت بغيره مسائله فللناظر المحقق إصلاحه ولي الفضل لأني نهجت له السبيل وأوضحت له الطريق، والله يهدي بنوره من يشاء» ويؤيد صدق قوله تواضعه الواضح. ثم انه ليس هناك مبرر للريبة بابن خلدون عند ما يقول ان مصادر الهامة هي أصول الفقه وكتب الآداب، فهو يقول «وهذا الفن الّذي لاح لنا النظر فيه نجد مسائل تجري بالعرض لأهل العلوم في براهين علومهم من جنس مسائله بالموضوع والمطلب مثل ما يذكره الحكماء في إثبات النبوة من أن البشر متعاونون في وجودهم فيحتاجون فيه الحاكم والوازع، ومثلما يذكر في أصول الفقه في باب إثبات اللغات أن الناس محتاجون للعبارة عن المقاصد بطبيعة التعاون والاجتماع وشأن العبارات أخف ومثل ما يذكره الفقهاء في تعليل الأحكام الشرعية بالمقاصد في أن الزنا مخلط للأنساب مفسد للنوع والقتل أيضا مفسد للنوع وان الظلم مؤذن بخراب العمران ... » ولا شك أن أعظم ما قام به ابن خلدون هو تطبيق الأفكار السياسية والاجتماعية المبعثرة على التاريخ الّذي يعتبره القوة الحية التي تربط الماضي بالحاضر بعملية واحدة مستمرة.
فالإنسان والبيئة والجهود الفردية والتنظيمات الاجتماعية كلها مادة أولية للتاريخ، حسب تحليل ابن خلدون العميق رغم تعسفه أحيانا، وتحليل ابن خلدون هذا رغم إمكان تفسيره على ضوء أسسه الإسلامية، إلا أنه أقرب إلى التوقف الفذ منه إلى مجرد وقفة عادية في مجرى علم التاريخ الإسلامي.
(علم التاريخ عند المسلمين ص ١٦٥- ١٦٦. فرانز روزنثال) .

<<  <  ج: ص:  >  >>