مكة، فقد كان عهدهم بمثلها الفساد السابلة واستهجان الدول. فبينما السلطان في ذلك آمل إذ داخله لحرم الله وروضة نبيّه صلى الله عليه وسلّم شوق، فأمر بانتساخ مصحف رائق الصنعة، كتبه ونمقه أحمد بن الحسن الكاتب المحسن، واستوسع في جرمه وعمل غشاءه من بديع الصنعة، واستكثر فيه من معالق الذهب المنظّم بخرزات الدرّ والياقوت، وجعلت منها حصاة وسط المعلق تفوق الحصيات مقدارا وشكلا وحسنا، واستكثر من الأصونة عليه ووقفه على الحرم الشريف، وبعث به مع الحاج سنة ثلاث وسبعمائة وعني بشأن هذا الركب، فسرّح معهم حامية من زناتة تناهز خمسمائة من الأبطال، وقلّد القضاء عليهم محمد بن رغبوش من أعلام أهل المغرب، وخاطب صاحب الديار المصريّة واستوصاه بحاج المغرب من أهل مملكته، وأتحفه بهدية من طرف بلاده استكثر فيها من الخيل العراب والمطايا الفارهة، يقال إنّ المطايا كانت منها أربعمائة حدّثني بذلك من لقيته إلى ما يناسب ذلك من طرف المغرب وما عونه. ونهج بها السبيل للحاج من أهل المغرب، فأجمعوا الحج سنة أربع سبعمائة بعدها وعقد السلطان على دلالتهم لأبي زيد الغفاريّ، وفصلوا من تلمسان لشهر ربيع الأوّل.
وفي شهر ربيع الآخر بعده كان مقدم الحاج الأولين حملة المصحف ووفد معهم على السلطان الشريف لبيدة بن أبي نمي نازعا عن سلطان الترك لما كان تقبض على أخويه حميضة ورميثة اثر مهلك أبيهم أبي نمي صاحب مكة سنة إحدى وسبعمائة، فاستبلغ السلطان في تكريمه وسرّحه إلى المغرب ليجول في أقطاره، ويطوف على معالم الملك وقصوره، وأوعز إلى العمّال بتكريمه واتحافه على شاكلته. ورجع إلى حضرة السلطان سنة خمس وسبعمائة وفصل منها إلى المشرق، وصحبه من أعلام المغرب أبو عبد الله موري [١] حاجا، ولشعبان من سنة خمس وسبعمائة وصل أبو زيد الغفاريّ دليل ركب الحاج الآخرين، ومعه بيعة الشرفاء أهل مكّة للسلطان، لما اسفهم صاحب مصر بالتقبّض على إخوانهم، وكان شأنهم ذلك متى غاظهم السلطان. فقد سبق في أخبار المستنصر بن أبي حفص مثلها، وأهدوا إلى السلطان ثوبا من كسوة البيت شغف به، واتخذ منه ثوبا للباسه في الجمع والأعياد يستبطنه بين ثيابه تبركا