للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، ولما وصلت هدية السلطان إلى صاحب مصر لعهده الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي حسن موقعها لديه، وذهب إلى المكافأة، فجمع من طرف بلاده من الثياب والحيوان ما يستغرب جنسه وشكله، من نوع الفيل والزرافة، وأوفد بها من عظماء دولته الأمير اليليلي [١] وفصل من القاهرة أخريات سنة خمس وسبعمائة ووصلت إلى تونس في ربيع من سنة ست وسبعمائة بعدها. ثم كان وصولها إلى سدّة السلطان بالمنصورة من البلد الجديد في جمادى الآخرة، واهتز السلطان لقدومها وأركب الناس إلى لقائها، واحتفل للقاء هذا الأمير اليليلي ومن معه من أمراء الترك، وبرّ وفادتهم، واستبلغ في تكريمهم نزلا وقرى، وبعثهم إلى المغرب على العادة في مبرّة أمثالهم، وهلك السلطان خلال ذلك وتقبّل أبو ثابت سنة من بعده في تكريمهم، فأحسن منقلبهم وملاء حقائبهم صلة، وفصلوا من المغرب لذي الحجة سنة سبع وسبعمائة ولما انتهوا إلى بلاد بني حسن في ربيع من سنة ثمان وسبعمائة اعترضهم الأعراب بالقفر فانتهبوهم وخلصوا إلى مصر بجريعة الزمن [٢] . فلم يعاودوا بعدها إلى المغرب سفرا ولا لفتوا إليه وجها. وطالما أوفد عليهم ملوك المغرب بعدها من رجال دولتهم من يؤبه له، ويهادونهم ويكافئون ولا يزيدون في ذلك كله على الخطاب شيئا، وكان الناس لعهدهم ذلك يتهمون أنّ الذين نهبوهم أعراب حصين بدسيسة من صاحب تلمسان أبي حمو لعهدهم، منافسة لصاحب المغرب لما بينهم من العداوات والإحن القديمة.

(أخبرني) شيخنا محمد بن إبراهيم الأبلّي قال: حضرت بين يدي السلطان وقد وصله بعض الحاج من أهل بلده مستصحبا كتاب الملك الناصر بالعتاب عن شأن هؤلاء الأمراء، وما أصابهم في طريقهم من بلاده، وأهدى له مع ذلك كوبين من دهن البلسان المختص ببلدهم، وخمسة مماليك من الترك رماة بخمسة أقواس من قسي الغزّ المؤنّقة الصنعة من العرى والعقب، فاستقل السلطان هديته تلك بالنسبة إلى ما أهدوا إلى ملك المغرب، ثم استدعى القاضي محمد بن هدية، وكان يكتب عنه فقال له: اكتب الآن إلى الملك الناصر كما أقول لك، ولا تحرّف كلمة عن موضعها إلّا ما تقتضيه صناعة الإعراب، وقل له: أمّا عتابك عن شأن الرسل وما أصابهم


[١] وفي نسخة اخرى: التليلي.
[٢] وفي نسخة اخرى: بجريعة الذقن.

<<  <  ج: ص:  >  >>