للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلادهم، وخلاء جوّه من عساكرهم، وأظهر العسكر والحشد لاستنقاذ السلطان من هوّة القيروان يسدّ منها حسوا في ارتقاء، وتفطّن لشأنه الحسن بن سليمان بن يرزيكن عامل القصبة بفاس، وصاحب الشرطة بالضواحي، فاستأذنه باللحاق بالسلطان، فأذن له راحة من مكانه. وأصحبه عمال المصامدة ونواحي مراكش ليستقدمهم على السلطان بجباياتهم، فلحق بالأمير أبي عنّان على حين أمضى عزيمته على التوثّب والدعاء لنفسه، فقبض أموالهم وأخرج ما كان بموضع السلطان بالمنصورة من المال والذخيرة، وجاهر بالدعاء لنفسه، وجلس للبيعة بمجلس السلطان من قصره في ربيع سنة تسع وأربعين وسبعمائة فبايعه الملأ. وقرأ كتاب بيعتهم على الإشهاد، ثم بايعه العامّة، وانفض المجلس وقد عقد سلطانه ورست قواعد ملكه. وركب في التعبية والآلة حتى نزل بقبة الملعب. وطعم الناس وانتشروا وعقد على وزارته للحسن بن يرزيكن، ثم لفارس بن ميمون بن وردار وجعله رديفا له وتبعا. ورفع مكان ابن جرار عليهم. واختصّ لولايته ومناجاة خلوته كاتبه أبا عبد الله محمد بن محمد بن أبي عمر [١] وسنذكر خبره. ثم فتح الديوان واستركب من تساقط إليه من فلّ أبيه، وخلع عليهم ودفع إليهم أعطياتهم وأزاح عللهم. وبينما هو يريد الرحلة إلى المغرب بلغه أن ونزمار بن عريف وليّ السلطان، وخالصته عريف بن يحيى، وكان أمير زغبة لعهده ومقدّما على سائر البدو، وبلغه أنه قد جمع له يريد حربه، وغلبه على ما صار إليه من الانتزاء والثورة على أبيه. وأنه قصد تلمسان بجموعه من العرب وزناتة المغرب الأوسط، فعقد للحسن بن سليمان وزيره على حربه وأعطاه الآلة وسرّحه للقائه، وسرّح معه من حضر من بني عامر أقتال سويد، وارتحل في عسكره حتى احتلّ تسالة، وناجزه ونزمار الحرب، ففلّت جموعه ومنحوا أكتافهم، واتبع الوزير عسكرهم [٢] ، واكتسح أموالهم وحللهم، وعاد إلى سلطانه بالفتح والغنائم.

وارتحل الأمير أبو عنّان إلى المغرب، وعقد على تلمسان لعثمان بن جرّار وأنزله بالقصر القديم منها، حتى كان من أمره مع عثمان بن عبد الرحمن ما ذكرناه في أخبارهم.

ولما انتهى إلى وادي الزيتون وشى إليه بالوزير الحسن بن سليمان أنه مضمر الفتك به بتازى تزلفا إلى السلطان ووفاء بطاعته، وأنه داخل في ذلك الحافد منصورا صاحب


[١] وفي نسخة ثانية: ابا عبد الله بن محمد ابن القاضي عبد الله بن أبي عمر.
[٢] وفي نسخة ثانية: وابتع الوزير وعسكره آثارهم. ابن خلدون م ٢٤ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>