للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمال المغرب، بما كان يظهر من طاعة جدّه، فارتاب الأمير أبو عنّان به واستظهر واشيه على ذلك بكتابه. فلما قرأه تقبّض عليه، وقتله بالمساء خنقا، وأغذ السير إلى المغرب.

وبلغ الخبر منصور بن أبي مالك صاحب فاس فزحف للقائه، والتقى الجمعان بناحية تازى وبوادي أبي الاجراف، فاختلّ مصاف منصور وانهزمت جموعه ولحق بفاس. وانحجر بالبلد الجديد وارتحل الأمير أبو عنّان في أثره، وتسايل الناس على طبقاتهم إليه، وآتوه الطاعة وأناخ بعساكره على البلد الجديد في ربيع الآخر سنة تسع وأربعين، وأخذ بمخنقها وجمع الأيدي والفعلة على الآلات لحصارها، ولحين نزوله على البلد الجديد أوعز إلى الوالي بمكانه، أن يطلق أولاد أبي العلاء المعتقلين بالقصبة، فأطلقهم ولحقوا به فأقاموا معه على حصار البلد الجديد، وطال تمرّسه بها إلى أن ضاقت أحوالهم واختلفت أهواؤهم، ونزع إليه أهل الشوكة منهم. ونزع إليهم عثمان بن إدريس بن أبي العلاء فيمن إليه من الحاشية بإذنه له في ذلك سرا ليمكن إليه [١] ، فدسّ إليه وواعدوه الثورة بالبلد، فثار بها واقتحمها الأمير أبو عنّان عليهم، ونزل منصور بن أبي مالك على حكمه، فاعتقله إلى أن قتله بمحبسه، واستولى على دار الملك وسائر أعمال المغرب وتسابقت إليه وفود الأمصار للتهنئة بالبيعة.

وتمسّك أهل سبتة بطاعة السلطان والانقياد لقائدهم عبد الله بن علي بن سعيد من طبقة الوزراء حينا، ثم توثّبوا به وعقدوا على أنفسهم للأمير أبي عنّان، وقادوا عاملهم إليه. وتولى كبر الثورة فيهم زعيمهم الشريف أبو العبّاس أحمد بن محمد بن رافع من بيت أبي الشريف من آل الحسين [٢] ، كانوا انتقلوا إليها من صقلّيّة، واستوسق للأمير أبي عنان ملك المغرب، واجتمع إليه قومه من بني مرين للأمر، وأقام مع السلطان بتونس وفاء بحقّه، وحصّ جناح أبيه عن الكرّة على الكعوب الناكثين لعهده، الناكبين عن طاعته، فأقام بتونس يرجو الأيام، ويؤمّل الكرّة.

والأطراف تنتقض والخوارج تتجدّد إلى أن ارتحل إلى المغرب بعد اليأس، كما نذكره إن شاء الله تعالى.


[١] وفي نسخة ثانية: ليمكنه منهم.
[٢] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: آل الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>