وعقد لأبي القاسم بن عتّو شيخ الموحدين على توزر ونفطة وسائر بلاد الجريد، بعد أن كان استخلصه بعد مفرّ أبي محمد بن تافراكين قريعة، وما أضمر [١] من سوء دخلته، فنزل بتوزر وجمع أهل الجريد على الولاية والمخالصة، ولما نازل المولى أبو العبّاس الفضل تونس مرتين، وشرّد أولاد مهلهل وامتنعت عليه، عمد إلى الجريد سنة خمس وأربعين وسبعمائة يحاول فيه ملكا، وخاطب أبا القاسم بن عتّو يذكّره عهده وعهد سلفه وحقوقهم، فتذكّر وحنّ، ونظر إلى ما ناله به السلطان من المثلة في أطرافه.
واستثار كامن حقده، فانحرف وحمل الناس على طاعة المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى، فسارعوا إلى الإجابة وبايعه أهل توزر وقفصة ونفطة والحامة، ثم دعا ابن مكين إلى طاعته فأجاب إليها وبايعه أهل قابس وجربة أيضا.
وانتهى الخبر إلى السلطان باستيلاء المولى الفضل على أمصار إفريقية، وأنه ناهض إلى تونس، فأهمّه الشأن وخشي على أمره، وكانت بطانته يوسوسون إليه بالرحلة إلى المغرب لاسترجاع نعمتهم باسترجاع ملكه، فأجابهم إليه وشحن أساطيله بالأقوات، وأزاح علل المسافرين. ولما قضى منسك الفطر من سنة خمسين وسبعمائة ركب البحر أيام استفحال فصل الشتاء، وعقد لابنه أبي الفضل على تونس ثقة بما بينه وبين أولاد حمزة من الصهر، وتفاديا بمكانه من معرّة الغوغاء وثورتهم. وأقلع من مرسى تونس، ولخمس دخل مرسى بجاية، وقد احتاجوا إلى الماء فمنعهم صاحب بجاية من الورود، وأوعز إلى سائر سواحله بمنعهم، فزحفوا إلى الساحل وقاتلوا من صدّهم عن الماء إلى أن غلبوهم واستقوا وأقلعوا، وعصفت بهم الريح ليلتئذ وجاءهم الموج من كل مكان، وألقاهم اليمّ بالساحل بعد أن تكسّرت الأجفان، وغرق الكثير من بطانته وعامّة الناس، وقذف الموج بالسلطان فألقاه إلى الجزيرة قرب الساحل من بلاد زواوة مع بعض حشمه عراة، فمكثوا ليلتهم وصبحهم جفن من الأساطيل كان قد سلم من ذلك العاصف، فقرّبوا إليه حين رأوه وقد تصايح به البربر من الجبال وتواثبوا إليه فاختطفه أولياؤه من أهل الجفن قبل أن يصل إليه البربر،