للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديوان الكتّاب ببابه مرءوسا بأبي الحسن بن الحباب [١] شيخ العدوتين في النظم والنثر وسائر العلوم الأدبية. وكاتب السلطان بغرناطة من لدن أيام محمد المخلوع من سلفه، عند ما قتل وزيره محمد بن الحكيم المستبدّ عليه كما مرّ في أخبارهم. فاستبدّ ابن الحباب برياسة الكتّاب من يومئذ إلى أن هلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة، فولّى السلطان أبو الحجّاج يومئذ محمد بن الخطيب هذا رياسة الكتاب ببابه مثنّاة بالوزارة. ولقبه بها فاستقلّ بذلك. وصدرت عنه غرائب من الترسيل في مكاتبات جيرانهم من ملوك العدوة. ثم داخله السلطان في تولية العمّال على يديه بالمشارطات، فجمع له بها أموالا. وبلغ به المخالصة إلى حيث لم يبلغ بأحد من قبله. وسفر عنه إلى السلطان أبي عنان ملك بني مرين بالعدوة مغريا بأبيه السلطان أبي الحسن فجلّى في أغراض سفارته.

ثم هلك السلطان أبو الحجّاج سنة خمس وخمسين وسبعمائة عدا عليه بعض الزعانف يوم الفطر بالمسجد في سجوده للصلاة، وطعنه فأشواه وفاض لوقته، وتعاورت سيوف الموالي المعلوجي هذا القاتل فمزقوه أشلاء. وبويع ابنه محمد بالأمر لوقته، وقام بأمره مولاهم رضوان الراسخ القدم في قيادة عساكرهم وكفالة الأصاغر من ملوكهم. واستبدّ بالدولة، وأفراد ابن الخطيب بوزارته كما كان لأبيه، واتخذ لكتابته غيره، وجعل ابن الخطيب رديفا له في أمره وتشاركا في الاستبداد معا، فجرت الدولة على أحسن حال وأقوم طريقة. ثم بعثوا الوزير ابن الخطيب سفيرا إلى السلطان أبي عنان مستمدّين له على عدوّهم الطاغية على عادتهم مع سلفه. فلمّا قدم على السلطان ومثل بين يديه، تقدّم الوفد الذين معه من وزراء الأندلس وفقهائها استأذنه في إنشاد شيء من الشعر يقدّمه بين يدي نجواه، فأذن له، وأنشد وهو قائم:

خليفة الله ساعد القدر ... علاك ما لاح في الدجى قمر

ودافعت عنك كفّ قدرته ... ما ليس يستطيع دفعه البشر

وجهك في النائبات بدر دجى ... لنا وفي المحل كفّك المطر

والناس طرّا بأرض أندلس ... لولاك ما أوطنوا ولا عمروا


[١] وفي نسخة ثانية: الجياب.

<<  <  ج: ص:  >  >>