للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجملة الأمر أنّه وطن ... في غير علياك ما له وطر

ومن به مذ وصلت حبلهم ... ما جحدوا نعمة ولا كفروا

وقد أهمّتهم نفوسهم ... فوجّهوني إليك وانتظروا.

فاهتزّ السلطان لهذه الأبيات وأذن له في الجلوس. وقال له قبل أن يجلس: ما ترجع إليهم إلّا بجميع عطائهم [١] . ثم أثقل كاهلهم بالإحسان، وردّهم بجميع ما طلبوه.

وقال شيخنا القاضي أبو القاسم الشريف وكان معه في ذلك الوفد: لم يسمع بسفير قضى سفارته قبل أن يسلّم على السلطان إلّا هذا. ومكثت دولتهم هذه بالأندلس خمس سنين. ثم نازلهم [٢] محمد الرئيس ابن عمّ السلطان يشاركه في جدّه الرئيس أبي سعيد. وتحيّن خروج السلطان إلى منتزهه خارج الحمراء. وتسوّر دار الملك المعروفة بالحمراء وكبس رضوانا في بيته، فقتله. وذهب للملك إسماعيل ابن السلطان أبي الحجّاج، لما كان صهره على شقيقته. وكان معتقلا بالحمراء، فأخرجه وبايع له وقام بأمره مستبدّا عليه. وأحسّ السلطان محمد بقرع الطبول وهو بالبستان، فركب باديا إلى وادي آش وضبطها. وبعث بالخبر إلى السلطان أبي سالم إثر ما استولى على ملك آبائه بالمغرب. وقد كان مثواه أيام أخيه أبي عنان عندهم بالأندلس. واعتقل الرئيس القائم بالدولة هذا الوزير ابن الخطيب وضيّق عليه في محبسه. وكانت بينه وبين الخطيب ابن مرزوق مودّة استحكمت أيام مقامه بالأندلس كما مرّ. وكان غالبا على هوى السلطان أبي سالم، فزيّن له استدعاء هذا السلطان المخلوع من وادي آش يعده زبونا على أهل الأندلس، ويكفّ به عادية القرابة المرشّحين هنالك متى طمحوا إلى ملك المغرب، فقبل ذلك منه. وخاطب أهل الأندلس في تسهيل طريقه من وادي آش إليه. وبعث من أهل مجلسه الشريف أبا القاسم التلمساني، وحمله مع ذلك الشفاعة في ابن الخطيب. وحل معتقله. فأطلق، وصحب الشريف أبا القاسم إلى وادي آش، وسار في ركاب السلطان. وقدموا على السلطان أبي سالم فاهتزّ لقدوم ابن الأحمر، وركب في المواكب لتلقّيه، وأجلسه إزاء كرسيّه، وأنشد ابن الخطيب قصيدته كما مرّ يستصرخ السلطان لنصره، فوعده وقد


[١] وفي نسخة ثانية: طلباتهم.
[٢] وفي نسخة ثانية: ثم ثار بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>