للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يوما مشهودا وقد مرّ ذكره. ثم أكرم مثواه وأرغد نزله، ووفّر أرزاق القادمين في ركابه وانتصر به. وأرغد عيش ابن الخطيب في الجراية والأقطاع. ثم استأنس واستأذن السلطان في التحوّل إلى جهات مراكش والوقوف على آثار الملك بها، فأذن له وكتب إلى العمّال باتحافه، فتبادروا في ذلك وحصل منه على حظّ وعند ما مرّ بسلا في قفوله من سفره، دخل مقبرة الملوك بشالة ووقف على قبر السلطان أبي الحسن وأنشد قصيدته على رويّ الراء الموصولة يريثه ويستثير به استرجاع ضياعه بغرناطة مطلعها:

إن بان منزله وشطّت داره ... قامت مقام عيانه أخباره

قسّم زمانك عبرة أو غيرة [١] ... هذا ثراه وهذه آثاره

فكتب السلطان أبو سالم في ذلك إلى أهل الأندلس بالشفاعة، فشفعوه. واستقرّ هو بسلا منتبذا عن سلطانه طول مقامه بالعدوة. ثم عاد السلطان محمد المخلوع إلى ملكه بالأندلس سنة ثلاث وستين وسبعمائة كما مرّ في أخباره. وبعث عن مخلّفه بفاس من الأهل والولد والقائم بالدولة يومئذ عمر بن عبد الله بن علي فاستقدم ابن الخطيب من سلا وبعثهم لنظره. فسرّ السلطان بمقدمه وردّه إلى منزلته كما كان مع رضوان كافله.

وكان عثمان بن يحيى عمر شيخ الغزاة وابن أشياخهم قد لحق بالطاغية في ركاب أبيه عند ما أحسّ بالشرّ من الرئيس صاحب غرناطة. وأجاز يحيى من هنالك إلى العدوة وأقام عثمان بدار الحرب، فصحب السلطان في مثوى اغترابه هنالك، وتغلب في مذاهب خدمته. وانحرفوا عن الطاغية بعد ما يئسوا من الفتح على يديه، فتحوّلوا عنه إلى ثغور بلاده. وخاطبوا عمر بن عبد الله في أن يمكّنهم من بعض الثغور الغربية التي أطاعتهم بالأندلس، يرتقبون منها الفتح. وخاطبني السلطان المخلوع في ذلك، وكانت بيني وبين عمر بن عبد الله ذمّة مرعيّة ومخالصة متأكدة، فوفيت للسلطان بذلك من عمر بن عبد الله. وحملته على أن يردّ عليه مدينة رندة إذ هي من تراث سلفه، فقبل إشارتي في ذلك. وتسوّرها السلطان المخلوع، ونزل بها وعثمان بن يحيى في جملته. وهو مقدّم في بطانته.

ثم غزوا منها مالقة، فكانت ركابا للفتح. وملكها السلطان واستولى بعدها على دار


[١] وفي نسخة ثانية: غيرة أو عبرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>