للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحفظوه عليه، فأجمع التحوّل عن الأندلس إلى المغرب. واستأذن السلطان في تفقّد الثغور الغربيّة. وسار إليها في لمّة من فرسانه، ومعه ابنه عليّ الّذي كان خالصة السلطان وذهب لطبنه. فلما حاذى جبل الفتح فرضة المجاز إلى العدوة، مال إليه وسرّح إذنه بين يديه، فخرج قائد الخيل لتلقّيه. وقد كان السلطان عبد العزيز قد أوعز إليه بذلك، وجهّز إليه الأسطول من حينه، فأجاز إلى سبتة وتلقّاه بها بأنواع التكرمة وامتثال الأوامر [١] . ثم سار لقصد السلطان، فقدم عليه سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمقامته من تلمسان، فاهتزّت له الدولة. وأركب السلطان خاصّته لتلقّيه، وأحلّه بمجلسه بمحل الأمن والغبطة، ومن دولته بمكان الشرف [٢] والعزّة. وأخرج لوقته كاتبه أبا يحيى بن أبي مدين سفيرا إلى الأندلس في طلب أهله وولده، فجاء بهم على أكمل الحالات من الأمن والتكرمة. ثم لغط المنافسون له في شأنه وأغروا سلطانه بتتبع عثراته، وأبدى ما كان كامنا في نفسه من سقطات دالته وإحصاء عصابته [٣] . وشاع على ألسنة أعدائه كلمات منسوبة إلى الزندقة أحصوها عليه ونسبوها إليه. ورفعت إلى قاضي الحضرة الحسن بن الحسن، فاسترعاها [٤] وسجّل عليه بالزندقة. وراجع صاحب الأندلس رأيه فيه. وبعث القاضي أبو الحسن إلى السلطان عبد العزيز في الانتقام منه بتلك السجلات، وإمضاء حكم الله فيه، فصمّ لذلك وأنف لذمّته أن تخفر ولجواره أن يردى [٥] وقال لهم: هلا انتقمتم وهو عندكم وأنتم عالمون بما كان عليه؟ وأما أنا فلا يخلص إليه بذلك أحد ما كان في جواري. ثم وفرّ الجراية والاقطاع له ولبنيه ولمن جاء من فرسان الأندلس في جملته. فلمّا هلك السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين وسبعمائة ورجع بنو مرين إلى المغرب وتركوا تلمسان، سار هو في ركاب الوزير أبي بكر بن غازي القائم بالدولة، فنزل بفاس واستكثر من شراء الضياع وتأنّق في بناء المساكن واغتراس الجنات، وحفظ عليه القائم بالدولة الرسوم التي رسمها له السلطان المتوفى. واتصلت حاله على ذلك إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.


[١] وفي نسخة ثانية: المراسيم.
[٢] وفي نسخة ثانية: النبوّة.
[٣] وفي نسخة ثانية: مغائبه.
[٤] وفي نسخة ثانية: فاسترداها.
[٥] وفي نسخة ثانية: أن يرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>