للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلفنا بإشبيليّة وأثنى عليّ عنده طبيبه إبراهيم ابن زرور [١] اليهودي المقدّم في الطب والنجامة، وكان لقيني بمجلس السلطان أبي عنان وقد استدعاه يستطبّه، وهو يومئذ بدار ابن الأحمر بالأندلس. ثم نزع بعد مهلك رضوان بن القائم بدولتهم إلى الطاغية، فأقام عنده ونظّمه في أطبائه، فلمّا قدمت أنا عليه أثنى عليّ عنده، فطلب الطاغية حينئذ المقام عنده، وأن يردّ عليّ تراث سلفي بإشبيليّة، وكان بيد زعماء دولته، فتفاديت من ذلك بما قبله. ولم يزل على اغتباطه إلى أن انصرفت عنه، فزوّدني وحملني [٢] واختصّني ببغلة فارهة، بمركب ثقيل ولجام ذهبيّين، أهديتهما إلى السلطان فأقطعني قرية البيرة من أراضي السقي بمرج غرناطة، وكتب لي بها منشورا كان نصّه [٣] ثم حضرت ليلة المولد النبويّ لخامسة قدومي، وكان يحتفل في الصنيع فيها والدعوة وإنشاد الشعر اقتداء بملوك المغرب، فأنشدته ليلتئذ:

حيّ المعاهد كانت قبل تحييني ... بواكف الدمع يرويها ويظميني

إنّ الألى نزحت داري ودارهم ... تحمّلوا القلب في آثارهم دوني

وقفت أنشد صبرا ضاع بعدهم ... فيهم وأسأل رسما لا يناجيني

أمثّل الرّبع من شوقي فألثمه ... وكيف والفكر يدنيه ويقصيني

وينهب الوجد مني كل لؤلؤة ... ما زال قلبي عليها غير مأمون

سقت جفوني مغاني الرّبع بعدهم ... بالدّمع وقف على أطلاله الجوني [٤]


[١] وفي نسخة ثانية: زرزر.
[٢] بمعنى اعطاني ظهرا لأركبه.
[٣] بياض بالأصل في جميع النسخ لعلّ ابن خلدون ترك هذا الفراغ عن قصد ليثبت نصّ هذا المنشور ولكن الموت عاجله قبل إتمام عمله هذا.
[٤] الجون: السود.

<<  <  ج: ص:  >  >>