للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطانه، بما كان له من الاستبداد عليه، وكثرة السعاية من البطانة فيه، فأعمل الرحلة إلى الثغور الغربيّة لمطالعتها بإذن سلطانه، فلمّا حاذى جبل الفتح قبل الفرضة دخل إلى الجبل وبيده عهد السلطان عبد العزيز إلى القائد بقبوله. وأجاز البحر من حينه إلى سبتة، وسار إلى السلطان بتلمسان، وقدم عليه بها في يوم مشهود، وتلقّاه السلطان من الحظوة والتقريب وإدرار النّعم بما لا يعهد بمثله. وكتب إليّ من تلمسان يعرّفني بخبره، ويلمّ ببعض العتاب على ما بلغه من حديثي الأول بالأندلس، ولم يحضرني الآن كتابه فكان جوابي عنه ما نصّه:

الحمد للَّه ولا قوّة إلّا باللَّه، ولا رادّ لما قضى الله.

يا سيدي ونعم الذّخر الأبدي، والعروة الوثقى التي أعلقتها [١] يدي أسلّم عليك سلام القدوم على المخدوم، والخضوع للملك المتبوع، لا بل أحيّيكم تحيّة المشوّق للمعشوق، والمدلج للصباح المتبلّج، وأقرّر ما أنتم أعلم بصحيح عقدي فيه من حبي لكم، ومعرفتي بمقداركم، وذهابي إلى أبعد الغايات في تعظيمكم، والثناء عليكم، والإشادة في الآفاق بمناقبكم ديدنا [٢] معروفا، وسجية راسخة يعلم الله وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ٤: ٧٩. وهذا كما في علمكم أسنى ما اختلف أوّلا ولا آخرا، ولا شاهدا ولا غائبا، وأنتم أعلم بما تعني نفسه وأكبر شهادة بما في خفايا ضميري، ولو كنت ذلك فقد سلف من حقوقكم، وجميل أخذكم، واجتلاب الحظّ لو هيّأه القدر، لمساعيكم وإيثاري بالمكان من سلطانكم ودولتكم، ما يستلين معاطف القلوب، ويستل سخائم الهواجس، فأنا أحاشيكم من استشعار نبوة [٣] أو إخفار وطن [٤] ، ولو تعلّق بقلب ساق حرزرزور [٥] فحاش للَّه أن يقدح في الخلوص لكم، أو يرجح سوائبكم [٦] ، إنما هي خبيئة الفؤاد إلى الحشر أو اللقاء. وو الله وجميع ما يقسم به، ما اطّلع على مستكنّه مني غير صديقي، وصديقكم الملابس، كان لي ولكم، الحكيم الفاضل أبي عبد الله الشّقوري أعزّه الله. نفثة مصدور، ومباثة خلوص، إذ


[١] وفي نسخة ثانية: اعتقلتها.
[٢] الديدن: العادة.
[٣] بمعنى الجفوة.
[٤] وفي نسخة ثانية: أو إحقاق ظن.
[٥] وفي نسخة ثانية: ولو تعلّق بقلب ساق حرّ ذرء وذرء. وبلغني ذرء من خير أي قليل منه.
[٦] وفي نسخة ثانية: سوابقكم: ج سابقة ويعني: أياديكم البيضاء التي اسديتموها إليّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>