للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا أعلم الناس بمكانه منكم، وقد علم ما كان مني حين مفارقة صاحب تلمسان واضمحلال أمره من إجماع الأمر على الرحلة إليكم، والخفوق إلى حاضرة البحر للإجازة إلى عدوتكم تعرّضت فيهم للتهم، ووقفت بمجال الظنون، حتى تورّطت في الهلكة بما ارتفع عنّي مما لم آته، ولا طويت العقد عليه، لولا حلم مولانا الخليفة ولولا حسن رأيه في وثبات بصيرته، لكنت في الهالكين الأوّلين، كل ذلك شوقا إلى لقائكم، وتمثّلا لأنسكم، فلا تظنّوا بي الظنون، ولا تصدّقوا التوهّمات، فأنا من قد عملتم صداقة وسذاجة وخلوصا، واتفاق ظاهر وباطن، أثبت الناس عهدا وأحفظهم غيبا، وأعرفهم بوزان الإخوان، ومزايا الفضلاء، ولأمر ما تأخر كتابي من تلمسان، فأني كنت استشعر ممن استضافني ريبا بخطاب سواه، خصوصا جهتكم، لقديم ما بين الدولتين من الاتحاد والمظاهرة، واتصال اليد مع أنّ الرسول تردّد إليّ وأعلمني اهتمامكم واهتمام السلطان تولاه الله باستكشاف ما أبهم [١] من حالي، فلم أترك شيئا مما أعلم تشوّقكم إليه إلّا وكشفت له قناعة، وآمنته على إبلاغه، ولم أزل بعد إيناس المولى الخليفة لدمائي وجذبه بضبعي، سابحا في تيار الشواغل كما علمتم القاطعة حتى عن الفكر.

وسقطت إلي محل مجد خدمتي من هذه القاصية، أخبار خلوصكم إلى المغرب قبل فصول راحلتي إلى الحضرة، غير خلية [٢] ولا ملتئمة، ولم يتعيّن ملقي العصا، ولا مستقر النّوى، فأرجأت الخطاب إلى استجلائها، وأفدت من كتابكم العزيز الجاري على سنن الفضل، ومذاهب المجد، غريب ما كيّفه القدر من بديع [٣] الحال لديكم، وعجيب تأتّى أملكم الشارد فيه كما كنّا نستبعده عند المفاوضة، فحمدت الله لكم على الخلاص من ورطة الدول على أحسن الوجوه، وأجمل المخارج الحميدة العواقب في الدنيا والدين، العائدة بحسن المآل في المخلّف، من أهل وولد ومتاع وأثر بعد أن رضتم جموح الأيام وتوقّلتم قلل العز [٤] وقدتم الدنيا بحذافيرها وأخذتم بآفاق السماء على أهلها. وهنيئا فقد نالت نفسكم التوّاقة أبعد أمانيها، ثم


[١] وفي نسخة ثانية: انبهم والأصح استبهم.
[٢] وفي نسخة ثانية: غير جلية.
[٣] وفي نسخة ثانية: من تنويع.
[٤] أي صعدتم قمم العزّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>