للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاقت إلى ما عند الله، وأشهد لما ألهمتم للإعراض عن الدنيا، ونزع اليد من حطامها عند الأصحاب والأقيال، ونهى الآمال إلّا جذبا وعناية من الله وحبّا، وإذا أراد الله أمرا يسّر أسبابه.

واتصل بي ما كان من تحفّي السيادة المولويّة بكم واهتزاز الدولة لقدومكم، ومثل هذه الخلافة، أيدها الله من يثابر على المفاخر، ويستأثر بالأخاير، وليت ذلك عند إقبالكم على الحظّ، وأنسكم باجتلاء الآمال، حتى يحسن المتاع، ويتجمّل السرير الملوكي بمكانكم، فالظنّ أنّ هذا الباعث الّذي هزم الآمال ونبذ الحظوظ، وهوّن المفارق العزيز سوّمكم الله حتى يأخذ بيدكم إلى قضاء المجاهدة، ويستوي بكم على جدد [١] الرياضة، «والله يهدي للتي هي أقوم» . كأنّي بالأقدام نقلت والبصائر بإلهام الحق صقلت والمقامات خلفت، بعد أن استقبلت، والعرفان شيمة [٢] أنواره وبوارقه، والوصول انكشفت حقائقه لما ارتفعت عوائقه. وأمّا حالي والظنّ بكم الاهتمام بها، والبحث عنها فغير خفيّة بالباب المولويّ أعلاه الله، ومظهرها في طاعته، ومصدرها عن أمره، وتصاريفها في خدمته، والزعم أني قمت المقام المحمود في التشيّع والانحياش، واستمالة الكافّة إلى المناصحة، ومخالصة القلوب للولاية، وما يتشوّقه مجدكم، ويتطلع إليه فضلكم، وأما اهتمامكم في خاصتها من النفس والولد، فجهينة خبره مؤدي كتابي إليكم، ناشئ تأديبي وثمرة ترتيبي، فسهّلوا له الإذن، وألينوا له جانب النّجوى حتى يؤدّي ما عندكم وما عندي، وخذوه بأعقاب الأحاديث إن يقف عند مباديها، وائتمنوه على ما تحدثون، فليس بضنين [٣] على السرّ.

وتشوّقي بما يرجع به إليكم سيدي وصديقي وصديقكم المقرّب في المجد والفضل، المساهم في الشدائد، كبير المغرب، وظهير الدولة، أبو يحيى بن أبي مدين، كان


[١] وفي نسخة ثانية: على جودي: والجودي: جبل مطل على جزيرة ابن عمر، ولعلّ ابن خلدون توصد قوله تعالى «وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ١١: ٤٤» اي رسوّ سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي عند الطوفان (معجم البلدان) .
[٢] شيمة: ج شيم: الخلق والطبيعة، العادة. وفي نسخة ثانية: شيمت، من شام، شيما السيف:
استلّه. وشما وشيوما الرجل: حقق الحملة في الحرب.
[٣] وفي نسخة ثانية: بظنين: ورجل ظنين: متهم. وهو ينظر الى قوله تعالى: «وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ٨١: ٢٤» الآية ٢٤ من سورة التكوير.

<<  <  ج: ص:  >  >>