للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلبيّ ويهلك مكانه وهذا هو السّبب في هلاك أهل الحمّامات إذا أطبقت [١] عليهم عن الهواء البارد والمتدلّين في الآبار والمطامير العميقة المهوى إذا سخن هواؤها بالعفونة ولم تداخلها الرّياح فتخلخلها فإنّ المتدلّي فيها يهلك لحينه وبهذا السّبب يكون موت الحوت إذا فارق البحر فإنّ الهواء لا يكفيه في تعديل رئته إذ هو حارّ بإفراط والماء الّذي يعدّله بارد والهواء الّذي خرج إليه حارّ فيستولي الحارّ على روحه الحيوانيّ ويهلك دفعة ومنه هلاك المصعوقين وأمثال ذلك ومن الأخبار المستحيلة ما نقله المسعوديّ أيضا في تمثال الزّرزور الّذي برومة تجتمع إليه الزّرازير في يوم معلوم من السّنة حاملة للزّيتون ومنه يتّخذون زيتهم وانظر ما أبعد ذلك عن المجرى الطّبيعيّ في اتّخاذ الزّيت. ومنها ما نقله البكريّ في بناء المدينة المسمّاة ذات الأبواب تحيط بأكثر من ثلاثين مرحلة وتشتمل على عشرة آلاف باب والمدن إنّما اتّخذت للتّحصّن والاعتصام كما يأتي وهذه خرجت عن أن يحاط بها فلا يكون فيها حصن ولا معتصم وكما نقله المسعوديّ أيضا في حديث مدينة النّحاس وأنّها مدينة كلّ بنائها نحاس بصحراء سجلماسة ظفر بها موسى بن نصير في غزوته إلى المغرب وأنّها مغلقة الأبواب وأنّ الصّاعد إليها من أسوارها إذا أشرف على الحائط صفّق ورمى بنفسه فلا يرجع آخر الدّهر في حديث مستحيل عادة من خرافات القصّاص وصحراء سجلماسة قد نفضها [٢] الرّكّاب والأدلّاء ولم يقفوا لهذه المدينة على خبر ثمّ إنّ هذه الأحوال الّتي ذكروا عنها كلّها مستحيل عادة مناف للأمور الطّبيعية في بناء المدن واختطاطها وأنّ المعادن غاية الموجود منها أن يصرف في الآنية والخرثيّ [٣] وأما تشييد مدينة منها فكما تراه من الاستحالة والبعد وأمثال ذلك كثيرة وتمحيصه إنّما هو بمعرفة طبائع العمران وهو أحسن الوجوه وأوثقها في تمحيص الأخبار وتمييز صدقها من كذبها وهو سابق


[١] بمعنى دامت.
[٢] نفض المكان: نظر جميع ما فيه حتى يتعرّفه (قاموس) .
[٣] الخرثيّ بالضم أثاث البيت (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>