للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على التّمحيص بتعديل الرّواة ولا يرجع إلى تعديل الرّواة حتّى يعلم أنّ ذلك الخبر في نفسه ممكن أو ممتنع وأمّا إذا كان مستحيلا فلا فائدة للنّظر في التّعديل والتّجريح ولقد عدّ أهل النّظر من المطاعن في الخبر استحالة مدلول اللّفظ وتأويله بما لا يقبله العقل وإنّما كان التّعديل والتّجريح هو المعتبر في صحّة الأخبار الشّرعيّة لأنّ معظمها تكاليف إنشائيّة [١] أوجب الشّارع العمل بها حتّى حصل الظّنّ بصدقها وسبيل صحّة الظّنّ الثّقة بالرّواة بالعدالة والضّبط. وأما الأخبار عن الواقعات فلا بدّ في صدقها وصحّتها من اعتبار المطابقة فلذلك وجب أن ينظر في إمكان وقوعه وصار فيها ذلك أهمّ من التّعديل ومقدّما عليه إذ فائدة الإنشاء مقتبسة منه فقط وفائدة الخبر منه ومن الخارج بالمطابقة وإذا كان ذلك فالقانون في تمييز الحقّ من الباطل في الأخبار بالإمكان والاستحالة أن ننظر في الاجتماع البشريّ الّذي هو العمران ونميّز ما يلحقه من الأحوال لذاته وبمقتضى طبعه وما يكون عارضا لا يعتدّ به وما لا يمكن أن يعرض له وإذا فعلنا ذلك كان ذلك لنا قانونا في تمييز الحقّ من الباطل في الأخبار والصّدق من الكذب بوجه برهانيّ لا مدخل للشّكّ فيه وحينئذ فإذا سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران علمنا ما نحكم بقبوله ممّا نحكم بتزييفه وكان ذلك لنا معيارا صحيحا يتحرّى به المؤرّخون طريق الصّدق والصّواب فيما ينقلونه وهذا هو غرض هذا الكتاب الأوّل من تأليفنا وكأنّ هذا علم مستقلّ بنفسه فإنّه ذو موضوع وهو العمران البشريّ والاجتماع الإنسانيّ وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته [٢] واحدة بعد أخرى وهذا شأن كلّ علم من العلوم وضعيّا كان أو عقليّا.

واعلم أنّ الكلام في هذا الغرض مستحدث الصّنعة غريب النّزعة عزيز الفائدة اعثر عليه البحث وأدّى إليه الغوص وليس من علم الخطابة إنّما هو الأقوال المقنعة


[١] إنشائية نسبة إلى إنشاء وهو الّذي يشمل الأمر والنهي وما شاكل وهو قابل الخبر ويقال جملة إنشائية في مقابل جملة خبرية.
[٢] أي ما يلحق المجتمع من العوارض والأحوال لذاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>