للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمان والهدنة الطويلة والاستغناء إذا كان الانصراف المفروض ضروريا قبيحا في غير هذه الحال. ومنها وهو أقوى الأعذار أني مهما لم أطق تمام هذا الأمر أو ضاق ذرعي به، لعجز أو مرض أو خوف طريق، أو نفاد زاد أو شوق غالب، رجعت رجوع الأب الشفيق إلى الولد البرّ الرضيّ، إذ لم أخلّف ورائي مانعا من الرجوع من قول قبيح ولا فعل، بل خلّفت الوسائل المرعيّة، والآثار الخالدة، والسير الجميلة، وانصرفت بقصد شريف فقت به أشياخي وكبار وطني وأهل طوري، وتركتكم على أتمّ ما أرضاه، مثنيا عليكم داعيا لكم، وإن فسح الله في الأمد، وقضي الحاجة، فأملى العودة إلى ولدي وتربتي، وإن قطع الأجل فأرجو أن أكون ممّن وقع أجره على الله.

فإن كان تصرّفي صوابا وجاريا على السّداد، فلا يلام من أصاب، وإن كان عن حمق، وفساد عقل، فلا يلام من اختلّ عقله، وفسد مزاجه، بل يعذر ويشفق عليه، ويرحم، وإن لم يعط مولاي أمري حقه من العدل، وجليت الذنوب، ونشرت [١] بعدي العيوب، فحياؤه وتناصفه ينكر ذلك، ويستحضر الحساب [٢] من التربية والتعليم وخدمة السّلف، وتخليد الآثار وتسمية الولد وتلقيب السلطان، والإرشاد إلى الأعمال الصالحة، والمداخلة والملابسة، لم يتخلّل ذلك قط خيانة في مال ولا سرّ، ولا غش في تدبير ولا تعلّق به محار [٣] ، ولا كدرة نقص، ولا حمل عليه خوف منكم، ولا طمع فيما بيدكم، وإن لم تكن هذه دواعي الرّعي والوصلة والإبقاء، ففيم تكون بين بني آدم؟

وأنا قد رحلت فلا أوصيتكم بمال، فهو عندي أهون متروك، ولا بولد فهم رجالكم، وخدّامكم، ومن يحرص مثلكم على الاستكثار منهم، ولا بعيال، فهي من مزيّات بيتكم، وخواصّ داركم، إنّما أوصيكم بحظّي العزيز، كان علي بوطنكم كم، وهو أنتم، فأنا أوصيكم بكم، فارعوني فيكم خاصّة. أوصيكم بتقوى الله والعمل لغد، وقبض عنان اللهو في موطن الجدّ، والحياء من الله الّذي محّص وأقال، وأعاد النعمة بعد زوالها لينظر كيف تعملون، وأطلب منكم عوض ما وفّرته


[١] وفي نسخة ثانية: حشرت.
[٢] وفي نسخة ثانية: الحسنات.
[٣] وفي نسخة ثانية: ولا تعلّق به عار.

<<  <  ج: ص:  >  >>