للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشتهرة وأبطالها. وخير أمة أخرجت للنّاس، في توسّطها واعتدالها، وظهور الهداية والاستقامة في أحوالها، صلّى الله عليه وعليهم صلاة تتّصل الخيرات باتّصالها، وتنال البركات من خلالها.

أمّا بعد فإنّ الله سبحانه لما أقرّ هذه الملّة الإسلامية في نصابها، وشفاها من أدوائها وأوصابها [١] ، وأورث الأرض عباده الصّالحين من أيدي غصّابها، بعد أن باهلت فارس بتاجها، وعصابها [٢] ، وخلت الرّوم إلى تماثيلها وأنصابها وجعل لها من العلماء حفظة وقوّاما، ونجوما يهتدي بها التّابع وأعلاما، يقربونها للدّراية تبيانا وإفهاما، ويوسعونها بالتّدوين ترتيبا وإحكاما، وتهذيبا لأصولها وفروعها ونظاما.

ثمّ اختار لها الملوك يرفعون عمدها، ويقيمون صغاها [٣] بإقامة السّياسة وأودها، ويدفعون بعزائمهم الماضية في صدر من أرادها بكياد أو قصدها، فكان لها بالعلماء الظّهور والانتشار، والذكر السّيّار، والبركات المخلّدة والآثار، ولها بالملوك العزّ والفخار، والصّولة التي يلين لها الجبّار، ويذلّ لعزّة المؤمنين بها الكفّار، وتجلّل وجوه الشّرك معها الصّغار، ولم تزل الأجيال تتداول على ذلك والأعصار، والدّول تحتفل والأمصار، واللّيل يختلف والنّهار، حتى أظلّت الإسلام دول هذه العصابة المنصورة من التّرك، الماحين بأنوار أسنّتهم ظلم الضّلالة والشّكّ، القاطعين بنصالهم المرهفة علائق المين والإفك [٤] ، المصيبين بسهامهم النّافذة ثغر الجهالة والشّرك، المظهرين سرّ قوله: «لا تزال طائفة من أمّتي» [٥] فيما يتناولونه من الأخذ والتّرك، ففسحوا خطّة الإسلام، وقاموا بالدّعوة الخلافيّة أحسن القيام، وبثّوها في أقصى التّخوم من الحجاز والشّام، واعتمدوا في خدمة الحرمين الشّريفين ما فضلوا به ملوك الأنام. واقتعدوا كرسيّ مصر الّذي ألقت له الأقاليم يد الاستسلام، على قدم الأيّام، فزخر بها منذ دولتهم بحر العمران، وتجاوبت فيها المدارس بترجيع


[١] الوصب: الوجع، والمرض، والجمع أوصاب.
[٢] العصاب: العمامة.
[٣] الصغا: من الإصغاء: اي مال إليه بسمعه.
[٤] علائق المين والإفك: أي علائق الكذب.
[٥] حديث رواه البخاري في آخر باب «علامة النبوة في الإسلام» ومسلم في بابي «الامارة،» و «الايمان» .
شرح العيني على «صحيح» البخاري ٧/ ٥٧٩، وشرح النووي على «صحيح» ملم ١/ ٥٥، ٢/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>