للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثاني والقرآن وعمّرت المساجد بالصّلوات والأذان، تكاثر عدد الحصى والشّهبان. وقامت المآذن على قدم الاستغفار والسّبحان [١] معلنة بشعار الإيمان، وازدان جوّها بالقصر فالقصر والإيوان فالإيوان. ونظّم دستها بالعزيز، والظّاهر، والأمير، والسّلطان. فما شئت من ملك يخفق العزّ في إعلامه، وتتوقّد في ليل المواكب نيران الكواكب من أسنّته وسهامه، ومن أسرة للعلماء تتناول العلم بوعد الصّادق ولو تعلّق بأعنان السّماء [٢] ، وتنير سراجه في جوانب الشّبه المدلهمّة الظّلماء، ومن قضاة يباهون بالعلم والسّؤدد عند الانتماء، ويشتملون الفضائل والمناقب اشتمال الصّماء [٣] ، ويفصلون الخصومات برأي يفرّق بين اللّبن والماء.

ولا كدولة السّلطان الظّاهر، والعزيز القاهر، يعسوب [٤] العصائب والجماهر، ومطلع أنواع العزّ الباهر، ومصرّف الكتائب تزري بالبحر الزّاخر، وتقوم بالحجة للقسيّ على الأهلّة في المفاخر، سيف الله المنتضى على العدوّ الكافر، ورحمته المتكفّلة للعباد باللّطف السّاتر، ربّ التّيجان والأسرّة والمنابر، والأواوين العالية والقصور الأزاهر، والملك المؤيّد بالبيض البواتر، والرّماح الشّواجر [٥] ، والأقلام المرتضعة أخلاف [٦] العزّ في مهود المحابر، والفيض الرّباني الّذي فاق قدرة القادر، وسبقت به العناية للأواخر. سيّد الملوك والسلاطين، كافل أمير المؤمنين، أبو سعيد أمدّه الله بالنّصر المصاحب، والسّعد المؤازر، وعرّفه آثار عنايته في الموارد والمصادر، وأراه حسن العاقبة في الأولى وسرور المنقلب في الآخر، فإنه لما تناول الأمر بعزائمه وعزمه، وآوى الملك إلى كنفه العزيز وحزمه، أصاب شاكلة الرّأي عند ما سدّد من سهمه، وأوقع الرّعايا في ظلّ من أمنه، وعدل من حكمه، وقسم البأس والجود بين حربه وسلمه، ثم أقام دولته بالأمراء الذين اختارهم باختيار الله لأركانها، وشدّ


[١] السبحان: التسبيح.
[٢] أعنان السماء: نواحيها، وما اعترض من أقطارها.
[٣] اشتمال الصماء ان تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسبتهم، وهي ان يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى، وعاتقه الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى، وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا.
[٤] اليعسوب أمير النحل.
[٥] رماح شواجر: مختلفة الطعن.
[٦] أخلاف الضرع: أطرافه. والكلام على التشبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>