للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخرا في الدولة العباسيّة ببغداد، وأخذ التّجار في جلبهم إليه، فاشترى منهم أعدادا، وأقام لتربيتهم أساتيذ [١] معلمين لحرفة الجندية، من الثقافة والرّمي، بعد تعليم الآداب الدينية والخلقية إلى أن اجتمع له منهم عدد جم يناهز الألف، وكان مقيما بأحواز دمياط [٢] في حماية البلاد من طوارق الفرنج المتغلّبين على حصنها دمياط. وكان أبوه قد اتخذ لنزله هنالك قلعة سمّاها المنصورة [٣] ، وبها توفي رحمه الله، فكان نجم الدين نازلا في مدافعة ساكني دمياط من الفرنج، فأصابه هنالك حدث الموت، وكان ابنه المعظّم توران شاه نائبا في حصن كيفا [٤] من ديار بكر وراء الفرات، فاجتمع الجند على بيعته، وبعثوا عنه، وانتظروا. وتقطّن الفرنج لشأنهم، فهجموا عليهم، واقتتلوا فنصر الله المسلمين، وأسر ملك الفرنج ريد إفرنس، فبعثوا به إلى مصر. وحبس بدار لقمان، إلى أن فادوه بدمياط، كما هو مذكور في أخبار بني أيوب. ونصّبوا- للملك، ولهذا اللقاء- زوجة الصالح أيّوب واسمها شجر الدرّ [٥] ، فكانت تحكم بين الجند، وتكتب على المراسيم [٦] ، وركبت يوم لقاء الفرنج، تحت الصّناجق [٧] ، والجند محدقون بها، حتى أعزّ الله دينه، وأتمّ نصره. ثم وصل توران شاه المعظّم، فأقاموه في خطّة الملك مكان أبيه الصالح


[١] اساتيذ وأساتذة ج استاذ: معلم.
[٢] وقد ضبطها ابن خلدون بخطه بالحركات، بكسر الذال المعجمة، وقد حكى الإعجام الزبيدي في «تاج العروس» ، والسمعاني في «الأنساب» عن أبي محمد بن أبي حبيب الاندلسي قال السمعاني معقبا: «وما عرفناه الا بالدال المهملة» . (معجم البلدان) ، تاج العروس (دمط، ذمط) .
[٣] بلدة أنشأها الملك الكامل بن العادل بن أيوب بين دمياط والقاهرة، ورابط فيها في وجه الافرنج لما ملكوا دمياط وذلك في سنة ٦١٦، ولم يزل بها حتى استنفذ دمياط في رجب سنة ٦١٨. (معجم البلدان) .
[٤] حصن كيفا: قلعة عظيمة مشرفة على دجلة، بين آمد وجيزة ابن عمر من ديار بكر. (معجم البلدان) .
[٥] بعضهم يكتبها: «شجرة الدر» ، وكان يخطب باسمها على المنابر، ونقشت على «السكة» ، وكان نقشها: «السكة المستعصمية الصالحية، ملكة المسلمين، والدة المنصور خليل» ، وخليل هذا ابنها من الملك الصالح توفي في حياة أبيه، وكانت تكنى به. العبر ٥، الخطط ٢/ ٢٣٧ بولاق.
[٦] يعني اتخذت لها «علامة» تختم بها على المراسيم، وكانت علامتها- فيما يرى ابن خلدون: «أم خليل» ، أما ابن الوردي فيقول: «والدة خليل» . العبرم ٥، ابن الوردي ٢/ ١٨٣.
[٧] جمع سنجق وهو الأصل الرمح، وكانت تجعل في رأسه الراية، ومن ثم أصبح معناه: الراية مباشرة.
صح الأعشى ٥/ ٤٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>