للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيوب، ووصل معه مماليك يدلّون بمكانهم منه، ولهم به اختصاص، ومنه مكان، وكان رؤساء الترك يومئذ القائمون بالدولة من عهد أبيه وجدّه. أقطاي الجمدار [١] وأيبك التّركماني، وقلاون الصالحي، فأنفوا من تصرفات مماليك توران شاه، واستعلائهم بالحظّ من السلطان، وسخطوهم وسخطوه، وأجمعوا قتله. فلما رحل إلى القاهرة اغتالوه في طريقه بفارسكور، وقتلوه، ونصبوا للأمر أيبك التركماني منهم، واستحدثوا هذه الدولة التركية كما شرحناه في أخبارها، وهلك بعد أيبك ابنه عليّ المنصور، ثم مولاه قطز، ثم الظاهر بيبرس البندقداري [٢] . ثم ظهر أمر الطّطر [٣] ، واستفحل ملكهم. وزحف هولاكو بن طولي بن جنكيزخان من خراسان إلى بغداد، فملكها، وقتل الخليفة المستعصم آخر بني العباس. ثم زحف إلى الشام، فملك مدنه وحواضره من أيدي بني أيوب، إلى أن استوعبها. وجاء الخبر بأن بركة صاحب صراي شريكه في نسب جنكزخان، زحف إلى خراسان، فامتعض لذلك، وكرّ راجعا، وشغل بالفتنة معه إلى إن هلك. وخرج قطز من مصر عند ما شغل هولاكو بفتنة بركة، فملك الشام كله، أمصاره ومدنه، وأصاره للترك موالي بني أيوب. واستفحلت دولة هؤلاء المماليك، واتّصلت أيامها واحدا بعد واحد، كما ذكرنا في أخبارهم. ثم جاء قلاون عند ما ملك بيبرس الظاهر منهم، فتظاهر به، وأصهر إليه، والترف يومئذ لم يأخذ منهم، والشّدة والشكيمة موجودة فيهم، والبأس والرجولة شعار لهم، وهلك الظاهر بيبرس، وابناه من بعده، كما في أخبارهم. وقام قلاوون بالأمر، فاتّسع نطاق ملكه، وطال ذرع سلطانه، وقصرت أيدي الطّطر عن الشام بمهلك هولاكو، وولاية الأصاغر من ولده، فعظم ملك قلاون، وحسنت آثار سياسته، وأصبح حجة على من بعده، ثم ملك بعده ابناه:

خليل الأشرف، ثم محمد الناصر. وطالت أيامه، وكثرت عصابته من مماليكه،


[١] أخبار أقطاي مفصلة في العبر ٥ م. والجمدار: هو الّذي يتولى الباس السلطان، أو الأمير ثيابه، وأصله جاما دار فحذف المد منه فقيل: جمدار، وهو مركب من كلمتين فارسيتين: «جاما» . ومعناها ثوب، و «دار» ، ومعناها: ممسك. صبح الأعشى ٥/ ٤٥٩.
[٢] انظر ترجمته في الخطط ٢/ ٣٠٠، ٢٣٨ بولاق. وخير توليه السلطنة في العبر ٥. والبندقداري: هو الّذي يحمل غرارة البندق خلف السلطان. والبندق: الّذي يرمي به وأصله البندق الّذي يؤكل، وهو في العربية الجلوز، صبح الأعشى ٥/ ٤٥٧.
[٣] كذا بالأصل، وهي: التتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>