حتى كمل منهم عدد لم يقع لغيره. ورتّب للدّولة المراتب، وقدّم منهم في كل رتبة الأمراء، وأوسع لهم الأقطاع والولايات، حتى توفرت أرزاقهم واتسعت بالتّرف أحوالهم. ورحل أرباب البضائع من العلماء والتّجّار إلى مصر، فأوسعهم حباء وبرّا.
وتنافست أمراء دولته في اتخاذ المدارس والرّبط والخوانق، وأصبحت دولتهم غرّة في الزمان، وواسطة في الدّول. ثم هلك الناصر بعد أربعين وسبعمائة، فطفق أمراء دولته ينصبون بنيه للملك، واحدا بعد آخر، مستبدّين عليهم، متنافسين في الملك، حتى يغلب واحد منهم الآخر، فيقتله، ويقتل سلطانه من أولاد الناصر، وينصب آخر منهم مكانه، إلى أن انساق الأمر لولده حسن النّصر، فقتل مستبدّه شيخون، وملك أمره. وألقى زمام الدولة بيد مملوكه يلبغا، فقام بها، ونافسه أقرانه، وأغروا به سلطانه، فأجمع قتله. ونمي إليه الخبر وهو في علوفة البرسيم عند خيله المرتبطة لذلك، فاعتزم على الامتناع، واستعدّ للّقاء. واستدعاه سلطانه، فتثاقل عن القدوم. واستشاط السلطان، وركب في خاصته إليه، فركب هو لمصادمته. وهاجم السلطان ففلّه، ورجع إلى القلعة، وهو في اتّباعه، فلم يلفه بقصره، وأغرى به البحث فتقبّض عليه، واستصفاه، وقتله، ونصب للملك محمد المنصور بن المظفّر حاجي بن الناصر. وقام بالدولة أحسن قيام، وأغرى نفسه بالاستكثار من المماليك، وتهذيبهم بالتّربية، وتوفير النّعم عندهم بالإقطاع، والولايات، حتى كمل منهم عدد لم تعهده الدولة. ثم خلع المنصور بن المظفّر لسنتين، ونصب مكانه للملك شعبان الأشرف بن حسين بن النّاصر، فأقام على التّخت وهو في كفالته، وهو على أوّله في إعزاز الدولة، وإظهار التّرف والثروة، حتى ظهرت مخايل العزّ والنّعم، في المساكن والجياد والمماليك والزينة، ثم بطروا النّعمة، وكفروا الحقوق، فحنقوا عليه لما كان يتجاوز الحدود بهم في الآداب، فهمّوا بقتله وخلصوا نجيا لذلك في متصيّدهم الشّتوي، وقد برزوا له بخيامهم وسلطانهم على عادتهم.
ولما أحسّ بذلك ركب ناجيا بنفسه إلى القاهرة، فدخلوا على السلطان الأشرف، وجاءوا به على إثره، وأجازوا البحر، فقبضوا عليه عشيّ يومهم، ثم قتلوه في محبسه عشاء. وانطلقت أيديهم على أهل البلد بمعرّات لم يعهدوها من أول دولتهم، من النّهب والتّخطّف وطروق المنازل والحمّامات للعبث بالحرم، وإطلاق أعنّة الشّهوات والبغي في كل ناحية، فمرج أمر النّاس، ورفع الأمر إلى السّلطان،