للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثر الدعاء واللّجأ إلى الله. واجتمع أكابر الأمر إلى السلطان، وفاوضوه في كفّ عاديتهم، فأمرهم بالركوب، ونادى في جنده ورعيته بانطلاق الأيدي عليهم، والاحتياط بهم في قبضة القهر، فلم يكن إلا كلمح البصر، وإذا بهم في قبضة الأسر. ثم عمّرت بهم السّجون، وصفّدوا وطيف بهم على الجمال ينادي بهم، إبلاغا في الشهرة، ثم وسّط [١] أكثرهم، وتتبّع البقيّة بالنّفي والحبس بالثغور القصيّة، ثم أطلقوا بعد ذلك. وكان فيمن أطلق جماعة منهم بحبس الكرك: فيهم برقوق الّذي ملك أمرهم بعد ذلك، وبركة الجوباني [٢] ، وألطنبغا الجوباني [٣] وجهركس الخليلي.

وكان طشتمر [٤] ، دوادار يلبغا [٥] ، قد لطف محلّه عند السلطان الأشرف، وولي الدّوادارية له، وكان يؤمّل الاستبداد كما كان أستاذه يلبغا، فكان يحتال في ذلك يجمع هؤلاء المماليك اليلبغاويّة من حيث سقطوا، يريد بذلك اجتماعهم عصبة له على هواه، ويغري السلطان بها شفاها ورسالة، إلى أن اجتمع أكثرهم بباب السّلطان الأشرف، وجعلهم في خدمة ابنه عليّ وليّ عهده. فلما كثروا، وأخذتهم أريحيّة العزّ بعصبيّتهم، صاروا يشتطّون على السّلطان في المطالب، ويعتزّون بعصبية اليلبغاوية.

واعتزم السلطان الأشرف عام سبعة وسبعين وسبعمائة على قضاء الفرض، فخرج لذلك خروجا فخما، واستناب ابنه عليّا على قلعته وملكه في كفالة قرطاي [٦] من أكابر اليلبغاوية، وأخرج معه الخليفة والقضاة، فلما بلغ العقبة [٧] اشتطّ المماليك في


[١] وسطه توسيطا: قطعه نصفين، ويقال قتل فلان موسّطا.
[٢] هو بركة بن عبد الله الجوباني اليلبغاوي الأمير زين الدين. كان أميرا شجاعا يحب العلماء، له مآثر خيرية بمكة، والحرم، وبطريق المدينة. قتل سنة ٨٧٢.
[٣] علاء الدين الطنبغا بن عبد الله الجوباني اليلبغاوي الأمير، كان من خيار الأمراء دينا، وعقلا وشجاعة.
مات في الواقعة بين منطاش والناصري خارج دمشق سنة ٧٩٢ هـ، وكان صديقا لابن خلدون، وقد عرف به وأثنى عليه في العبر م ٥.
[٤] طشتمر بن عبد الله العلائي الدوادار الأمير سيف الدين، توفي في دمياط منفيا سنة ٧٨٦. أثنى عليه ابن تغري بردي كثيرا بمقدار ما قدح في بركة، والظاهر برقوق.
[٥] لقب للذي يمسك دواة السلطان أو الأمير، ويتولى من الأمور ما يلزم هذا المعنى، من حكم، أو تنفيذ أمور، أو غير ذلك. صبح الأعشى ٥/ ٤٦٢.
[٦] قرطاي (أو قراطاي) بن عبد الله المعزي الأشرفي سيف الدين، رفيق أينبك، وصهره، وكان من أصاغر الأمراء في دولة الأشرف شعبان بن حسين، ولكنه أصبح في أيام ولده عليّ أمير مائة، ثم مقدم ألف.
واختلف مع صديقه أينبك، فحبسه إلى أن مات سنة ٧٧٩.
[٧] موقعها في النهاية الشرقية الشمالية لخليج العقبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>