للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلب جرايتهم من العلوفة والزّاد، واشتطّ الذين بمصر كذلك في طلب أرزاقهم من المتولّين للجباية. وصار الذين مع السلطان إلى المكاشفة في ذلك بالأقوال والأفعال، وطشتمر الدّوادار يغضي عنهم يحسب وقت استبداده قد أزف، إلى أن راغمهم السّلطان بالزّجر، فركبوا عليه هنالك، وركب من خيامه مع لفيف من خاصّته، فنضحوه بالنّبل، ورجع إلى خيامه، ثم ركب الهجن مساء، وسار فصبّح القاهرة، وعرّس هو ولفيفه بقبّة النّصر.

وكان قرطاي كافل ابنه عليّ المنصور، حدث بينه وبين ناظر الخاص المقسي مكالمة عند مغيب السّلطان أحقدته. وجاشت بما كان في نفسه، فأغرى عليّا المنصور بن السلطان بالتّوثّب على الملك، فارتاح لذلك وأجابه، وأصبح يوم ثورة المماليك بالعقبة، وقد أجلس عليّا مكفوله بباب الإسطبل، وعقد له الراية بالنداء على جلوسه بالتخت، وبينما هم في ذلك، صبّحهم الخبر بوصول السلطان الأشرف إلى قبة النصر ليلتئذ، فطاروا إليه زرافات ووحدانا، فوجدوا أصحابه نياما هنالك، وقد تسلّل من بينهم هو وبلبغا الناصري [١] من أكابر اليلبغاويّة، فقطوا رءوسهم جميعا، ورجعوا بها تسيل دما. ووجموا لفقدان الأشرف، وتابعوا النّداء عليه، وإذا بامرأة قد دلّتهم عليه في مكان عرفته، فتسابقوا إليه، وجاءوا به فقتلوه لوقته بخلع أكتافه، وانعقدت بيعة ابنه المنصور. وجاء طشتمر الدّوادار من الغد بمن بقي بالعقبة من الحرم، ومخلّف السلطان، واعتزم على قتالهم طمعا في الاستبداد الّذي في نفسه، فدافعوه وغلبوه وحصل في قبضتهم، فخلعوا عليه بنيابة الشام، وصرفوه لذلك، وأقاموا في سلطانهم. وكان أينبك أميرا آخر من اليلبغاوية [٢] قد ساهم قرطاي في هذا الحادث، وأصهر إليه في بعض حرمه، فاستنام له قرطاي، وطمع هو في الاستيلاء. وكان قرطاي مواصلا صبوحه بغبوقه، ويستغرق في ذلك، فركب في بعض أيامه، وأركب معه السلطان عليا، واحتاز الأمر من يد قرطاي،


[١] يلبغا بن عبد الله الناصري الاتابكي الأمير سيف الدين، وهو صاحب الوقعة مع الملك الظاهر بظاهر دمشق. الدرر الكامنة ٤/ ٤٤٠- ٤٤٢.
[٢] أينبك بن عبد الله البدري الأمير سيف الدين، كان هو وقرطاي صاحبي الحل والعقد في الدولة. استبد بالمنصور بن الأشرف، ثم تغلب عليه يلبغا الناصري وأودعه سجن الاسكندرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>