للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسكندرية، فحبس هنالك إلى أن قتله ابن عرّام نائب الإسكندرية. وارتفع أصحابه إلى برقوق شاكين، فثأرهم منه بإطلاق أيديهم في النّصفة، فانتصفوا منه بقتله في ساحة القلعة، بعد أن سمّر، وحمل على جمل عقابا له، ولم يقنعهم ذلك، فأطلق أيديهم فيما شاءوا منه، ففعلوا ما فعلوا. وانفرد برقوق- بعد ذلك- بحمل الدّولة ينظر في أعطافها [١] بالتّهديد، والتّسديد، والمقاربة [٢] ، والحرص على مكافأة الدّخل بالخرج. ونقّص ما أفاض فيه بنو قلاون من الإمعان في التّرف، والسّرف في العوائد والنّفقات، حتى صار الكيل في الخرج بالمكيال الرّاجح، وعجزت الدولة عن تمشية أحوالها، وراقب ذلك كلّه برقوق، ونظر في سدّ خلل الدّولة منه، وإصلاحها من مفاسده، يعتدّ ذلك ذريعة للجلوس على التّخت، وحيازة اسم السلطان من أولاد قلاون، بما أفسد الترف منهم، وأحال الدولة بسببهم، إلى أن حصل من ذلك على البغية، ورضي به أصحابه وعصابته، فجلس على التّخت في تاسع عشر رمضان من سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وتلقّب بالظاهر. ورتّب أهل عصابته في مراتب الدولة، فقام وقاموا بها أحسن قيام، وانقلبت الدولة من آل قلاون إلى برقوق الظاهر وبنيه. واستمرّ الحال على ذلك، ونافسه اليلبغاوية- رفقاؤه في ولاء يلبغا- فيما صار إليه من الأمر، وخصوصا يلبغا نائب حلب، فاعتزم على الانتقاض. وشعر به الظاهر فبعث باستدعائه، فجاء وحبسه مدّة، ثم رجّعه إلى نيابة حلب، وقد وغر صدره من هذه المعاملة. وارتاب به الظاهر، فبعث سنة تسعين وسبعمائة دواداره للقبض عليه، ويستعين في ذلك بالحاجب. وانتقض، واستدعى نائب ملطية [٣] ، وهو منطاش من أمراء اليلبغاوية، وكان قد انتقض قبله، ودعا نواب الشام إلى المسير إلى مصر إلبا على الظاهر، فأجابوه، وساروا في جملته، وتحت لوائه، وبلغ الخبر إلى الظاهر برقوق، فأخرج عساكره مع أمراء اليلبغاوية من أصحابه: وهم الدوادار الأكبر يونس [٤] ،


[١] الأعطاف: الجوانب.
[٢] المقاربة: ترك الغلو في الأمور، وقصد السداد فيها.
[٣] بفتح الميم واللام، وسكون الطاء، ثم ياء مفتوحة، والعامة تكسر الطاء، وتشدد الياء. تقع في الشمال الغربي لديار بكر من الجمهورية التركية. (معجم البلدان) ، تاج العروس (ملط) .
[٤] يونس بن عبد الله الأمير سيف الدين الدوادار الأكبر لفك الظاهر، ويعرف بالنوروري (نسبة الى معتقله الأمير جرجي النوروري) . كان من أعاظم دولة الظاهر برقوق، حارب منطاش، والناصري، وعاد في

<<  <  ج: ص:  >  >>