للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كرائم داره، احتفل فيها ما شاء من أنواع الطّرف، وأصناف الذّخائر، وخصوصا الخيل والبغال.

أخبرني الفقيه ابو إسحاق الحسناوي، كاتب الموحّدين بتونس، أنه عاين تلك الهدية عند مرورها بتونس، قال: وعددت من صنف البغال الفارهة فيها أربعمائة، وسكت عما سوى ذلك. وكان مع هذه الهدية من فقهاء المغرب، أبو الحسن التّنسيّ كبير أهل الفتيا بتلمسان. ثم كافأ النّاصر عن هذه الهدية بأعلى منها وأحفل [١] مع أميرين من أمراء دولته، أدركا يوسف بن يعقوب وهو يحاصر تلمسان، فبعثهما إلى مرّاكش للنّزاهة [٢] في محاسنها، وأدركه الموت في مغيبهما، ورجعا من مرّاكش، فجهّزهما حافده أبو ثابت المالك بعده، وشيّعهما الى مصر، فاعترضتهما قبائل حصين ونهبوهما [٣] ، ودخلا بجاية، ثم مضيا إلى تونس، ووصلا من هنالك إلى مصر.

ولمّا ملك السلطان أبو الحسن تلمسان، اقترحت عليه جارية أبيه أبي سعيد، وكانت لها عليه تربية، فأرادت الحجّ في أيامه وبعنايته، فأذن لها في ذلك، وبعث في خدمتها وليّه عريف بن يحيى من أمراء سويد، وجماعة من أمرائه وبطانته، واستصحبوا هدية منه للملك الناصر احتفل فيها ما شاء. وانتقى من الخيل العتاق، والمطايا الفرة وقماش الحرير والكتّان، والصوف ومدبوغ الجلود الناعمة، والأواني المتخذة من النحاس والفخّار المخصوص كلّ مصر من المغرب بأصناف من صنائعها، متشابهة الأشكال والأنواع، حتى لقد زعموا أنه كان فيها مكيلة من اللآلئ والفصوص، وكان ذلك وقر خمس مائة بعير، وكانت عتاق الخيل فيها خمس مائة فرس، بالسروج الذّهبية المرصّعة بالجواهر، واللجم المذهبة، والسّيوف المحلّاة بالذهب واللآلئ، كانت قيمة المركب الأول منها عشرة آلاف دينار،


[١] جاء في الاستقصاء: ٢/ ٤١: « ... وأما الملك الناصر، فإنه كافأ السلطان يوسف على هديته، بأن جمع من طرف بلاد المشرق ما يستغرب جنسه وشكله، من الثياب والحيوانات، ونحو ذلك، مثل الفيل والزرافة ونحوهما، وأوفد به مع عظماء دولته سنة ٧٠٥» .
[٢] استعمال النزاهة، والنزهة بهذا المعنى مختلف فيه بين اللغويين. وانظر تاج العروس «نزه» ، حيث تجد أقوالهم.
[٣] في الاستقصاء: ٢/ ٤٢: «.... ولما انتهوا الى بلاد بني حسن في سنة ٧٠٨، اعترضتهم الأعراب بالقفر، فانتهبوهم، وخلصوا الى مصر بجريعة الذقن، فلم يعاودوا بعدها سفرا، ولا لفتوا اليه وجها، وطالما اوفد عليهم ملوك المغرب بعدها من رجال دولتهم من يؤبه له، ويهادونهم ويكافئون، ولا يزيدون في ذلك كله على الخطاب شيئا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>