للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك، فأسروا ليلة الجمعة من شهر [....] [١] وركبوا جبل الصّالحية، ثم انحطّوا في شعابه، وساروا على شافة البحر إلى غزّة، وركب الناس ليلا يعتقدون أن السلطان سار على الطريق الأعظم إلى مصر، فساروا عصبا وجماعات على شقحب إلى أن وصلوا إلى مصر، وأصبح أهل دمشق متحيّرين قد عميت عليهم الأنباء.

وجاءني القضاة والفقهاء، واجتمعت بمدرسة العادليّة، واتّفق رأيهم على طلب الأمان من الأمير تمر على بيوتهم وحرمهم، وشاوروا في ذلك نائب القلعة، فأبى عليهم ذلك ونكره، فلم يوافقوه. وخرج القاضي برهان الدّين بن مفلح الحنبلي [٢] ومعه شيخ الفقراء بزاوية [....] [٣] فأجابهم إلى التأمين، وردهم باستدعاء الوجوه والقضاة، فخرجوا إليه متدلّين من السور بما صبّحهم من التقدمة، فأحسن لقاءهم وكتب لهم الرقاع بالأمان، وردّهم على أحسن الآمال، واتفقوا معه على فتح المدينة من الغد، وتصرّف الناس في المعاملات، ودخول أمير ينزل بمحل الإمارة منها، ويملك أمرهم بعزّ ولايته.

وأخبرني القاضي برهان الدين أنه سأله عنّي، وهل سافرت مع عساكر مصر أو أقمت بالمدينة، فأخبره بمقامي بالمدرسة حيث كنت، وبتنا تلك الليلة على أهبة الخروج إليه، فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد الجامع، وأنكر البعض ما وقع من الاستنامة إلى القول. وبلغني الخبر من جوف اللّيل، فخشيت البادرة على نفسي، وبكرت سحرا إلى جماعة القضاة عند الباب، وطلبت الخروج أو التدلّي من السّور، لما حدث عندي من توهّمات ذلك الخبر، فأبوا عليّ أولا، ثم أصخوا لي، ودلّوني من السور، فوجدت بطانته عند الباب، ونائبة الّذي عيّنه للولاية على دمشق، واسمه شاه ملك، من بني جقطاي أهل عصابته، فحيّيتهم وحيّوني، وفدّيت وفدّوني، وقدّم لي شاه ملك، مركوبا، وبعث معي من بطانة السّلطان من أوصلني إليه. فلما وقفت بالباب خرج الإذن بإجلاسي في خيمة هنالك تجاور خيمة جلوسه، ثم زيد في التعريف باسمي أنّي القاضي المالكي المغربي، فاستدعاني،


[١] بياض بالأصل، ولعله يريد (شهر جمادى الآخرة) . وانظر تاريخ ابن اياس ١/ ٣٢٩.
[٢] هو برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح (٧٤٩- ٨٠٣) ، وكان يحسن اللغتين: التركية، والفارسية، ولعلهم. لذلك- اختاروه للسفارة. وانظر ابن اياس ١/ ٣٣٦.
[٣] بياض في الأصل ولم نعثر في المراجع التي بين أيدينا على اسم هذه الزاوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>