للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل خيام، تتغلّب على الممالك، وتقلب الدّول، وتستولي على أكثر المعمور.

فقلت: ومتى زمنه؟ فقال: عام أربعة وثمانين تنتشر أخباره. وكتب لي بمثل ذلك الطبيب ابن زرزر اليهودي، طبيب ملك الأفرنج ابن أذفونش ومنجّمه. وكان شيخي رحمه الله إمام المعقولات محمد بن إبراهيم الآبلي متى فاوضته في ذلك، أو سايلته عنه يقول: أمره قريب، ولا بدّ لك إن عشت أن تراه.

وأما المتصوّفة فكنّا نسمع عنهم بالمغرب ترقّبهم لهذا الكائن، ويرون أن القائم به هو الفاطميّ المشار إليه في الأحاديث النّبوية [١] من الشيعة وغيرهم، فأخبرني يحيى بن عبد الله حافد الشيخ أبي يعقوب البادسي كبير الأولياء بالمغرب، أن الشيخ قال لهم ذات يوم، وقد انفتل من صلاة الغداة: إن هذا اليوم ولد فيه القائم الفاطمي، وكان ذلك في عشر الأربعين من المائة الثامنة، فكان في نفسي من ذلك كله ترقّب له.

فوقع في نفسي لأجل الوجل الّذي كنت فيه أن أفاوضه في في شيء من ذلك يستريح إليه، ويأنس به مني، ففاتحته وقلت: أيّدك الله! لي اليوم ثلاثون أو أربعون سنة أتمنّى لقاءك. فقال لي التّرجمان عبد الجبّار: وما سبب ذلك؟ فقلت: أمران، الأول أنك سلطان العالم، وملك الدّنيا، وما أعتقد أنه ظهر في الخليقة منذ آدم لهذا العهد ملك مثلك، ولست ممن يقول في الأمور بالجزاف، فإنّي من أهل العلم، وأبيّن ذلك فأقول:

إن الملك إنما يكون بالعصبيّة، وعلى كثرتها يكون قدر الملك، واتفق أهل العلم من قبل ومن بعد، أن أكثر أمم البشر فرقتان: العرب والترك، وأنتم تعلمون ملك العرب كيف كان لمّا اجتمعوا في دينهم على نبيّهم، وأما الترك ففي مزاحمتهم لملوك الفرس، وانتزاع ملكهم أفراسياب خراسان من أيديهم شاهد بنصابهم من الملك.

ولا يساويهم في عصبيتهم أحد من ملوك الأرض من كسرى، أو قيصر، أو الإسكندر، أو بخت نصّر، أما كسرى فكبير الفرس ومليكهم، وأين الفرس من الترك؟ وأما قيصر والإسكندر فملوك الروم، وأين الروم من الترك؟ وأما بخت نصّر فكبير أهل بابل، والنّبط. وأين هؤلاء من التّرك؟ وهذا برهان ظاهر على ما ادّعيته في هذا


[١] ذكر هذه الأحاديث في المقدمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>