للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجوّاني. فقال لي: وأين مكان طنجة من ذلك المغرب؟ فقلت: في الزّاوية التي بين البحر المحيط، والخليج المسمّى بالزّقاق، وهو خليج البحر الشّامي؟ فقال:

وسبتة؟ فقلت: على مسافة من طنجة على ساحل الزّقاق، ومنها التّعدية إلى الأندلس، لقرب مسافته، لأنها هناك نحو العشرين ميلا. فقال: وفاس؟ فقلت:

ليست على البحر، وهي في وسط التّلول، وكرسيّ ملوك المغرب من بني مرين.

فقال: وسجلماسة؟ قلت: في الحدّ ما بين الأرياف والرّمال من جهة الجنوب.

فقال: لا يقنعني هذا، وأحبّ أن تكتب لي بلاد المغرب كلّها، أقاصيها وأدانيها وجباله وأنهاره وقراه وأمصاره، حتى كأني أشاهده. فقلت: يحصل ذلك بسعادتك، وكتبت له بعد انصرافي من المجلس لما طلب من ذلك، وأوعبت الغرض فيه في مختصر وجيز يكون قدر اثنتي عشرة من الكراريس المنضّفة القطع. ثم أشار إلى خدمه بإحضار طعام من بيته يسمونه الرشتة، ويحكمونه على أبلغ ما يمكن، فأحضرت الأواني منه، وأشار بعرضها عليّ، فمثلت قائما وتناولتها وشربت واستطبت، ووقع ذلك منه أحسن المواقع، ثم جلست وسكتنا، وقد غلبني الوجل بما وقع من نكبة قاضي القضاة الشافعيّة، صدر الدين المناوي، أسره التّابعون لعسكر مصر. بشقحب، وردّوه، فحبس عندهم في طلب الفدية منه، فأصابنا من ذلك وجل، فزوّرت في نفسي كلاما أخاطبه به، وأتلطّفه بتعظيم أحواله، وملكه. وكنت قبل ذلك بالمغرب قد سمعت كثيرا من الحدثان في ظهوره، وكان المنجّمون المتكلّمون في قرانات العلويّين [١] يترقّبون القران العاشر في المثلّثة الهوائية [٢] ، وكان يترقّب عام ستة وستين من المائة السّابعة. فلقيت ذات يوم من عام أحد وستين وسبعمائة بجامع القرويين من فاس، الخطيب أبا عليّ بن باديس خطيب قسنطينة، وكان ماهرا في ذلك الفن، فسألته عن هذا القران المتوقّع، وما هي آثاره؟ فقال لي: يدلّ على ثائر عظيم في الجانب الشّمالي الشرقي، من أمة بادية


[١] الكوكبان العلويان: زحل، والمشتري، والمراد بالقران- عند الإطلاق- اجتماع المشتري، وزحل خاصة (مفاتيح العلوم ص ٢٣٢) .
[٢] المثلثة: كل ثلاثة بروج تكون متفقة في طبيعة واحدة من الطبائع الأربع. (مفاتيح العلوم ص ٢٢٦) .
ولعل ابن خلدون كان يعرف أن تيمور لنك (كان يعتمد على أقوال الأطباء والمنجمين، ويقربهم ويدنيهم، حتى انه كان لا يتحرك الا باختيار فلكي) ، فحدثه بهذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>