للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَسَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماواتِ وَما في الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ٤٥: ١٣» [١] وسخّر لكم البحر وسخّر لكم الفلك وسخّر لكم الأنعام. وكثير من شواهده. ويد الإنسان مبسوطة على العالم وما فيه بما جعل الله له من الاستخلاف. وأيدي البشر منتشرة فهي مشتركة في ذلك. وما حصل عليه يد هذا امتنع عن الآخر إلّا بعوض. فالإنسان متى اقتدر على نفسه وتجاوز طور الضّعف سعى في اقتناء المكاسب لينفق ما آتاه الله منها في تحصيل حاجاته وضروراته بدفع الأعواض عنها. قال الله تعالى: «فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ ٢٩: ١٧» وقد يحصل له ذلك بغير سعي كالمطر المصلح للزّراعة وأمثاله. إلّا أنّها إنّما تكون معينة ولا بدّ من سعيه معها كما يأتي فتكون له تلك المكاسب معاشا إن كانت بمقدار الضّرورة والحاجة ورياشا ومتموّلا إن زادت على ذلك. ثمّ إنّ ذلك الحاصل أو المقتنى إن عادت منفعته على العبد وحصلت له ثمرته من إنفاقه في مصالحه وحاجاته سمّي ذلك رزقا. قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت» وإن لم ينتفع به في شيء من مصالحه ولا حاجاته فلا يسمّى بالنّسبة إلى المالك رزقا والمتملّك منه حينئذ بسعي العبد وقدرته يسمّى كسبا. وهذا مثل التّراث فإنّه يسمّى بالنّسبة إلى الهالك كسبا ولا يسمّى رزقا إذ لم يحصل به منتفع وبالنّسبة إلى الوارثين متى انتفعوا به يسمّى رزقا. هذا حقيقة مسمّى الرّزق عند أهل السّنّة وقد اشترط المعتزل في تسميته رزقا أن يكون بحيث يصحّ تملّكه وما لا يتملّك عندهم لا يسمّى رزقا وأخرجوا الغصوبات [٢] والحرام كلّه عن أن يسمّى شيء منها رزقا والله تعالى يرزق الغاصب والظّالم والمؤمن والكافر برحمته وهدايته من يشاء.

ولهم في ذلك حجج ليس هذا موضع بسطها. ثمّ اعلم أنّ الكسب إنّما يكون بالسّعي في الاقتناء والقصد إلى التّحصيل فلا بدّ في الرّزق من سعي وعمل ولو في


[١] من الآية ١٣ من سورة الجاثية.
[٢] في النسخة الباريسية: الغصوبات. ولم ترد بلسان العرب الغصوبات. لذلك من الأصح أن يقول المغصوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>