تناوله وابتغائه من وجوهه. قال تعالى:«فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ ٢٩: ١٧» والسّعي إليه إنّما يكون بأقدار الله تعالى وإلهامه، فالكلّ من عند الله. فلا بدّ من الأعمال الإنسانيّة في كلّ مكسوب ومتموّل. لأنّه إن كان عملا بنفسه مثل الصّنائع فظاهر وإن كان مقتنى من الحيوان والنّبات والمعدن فلا بدّ فيه من العمل الإنسانيّ كما تراه وإلّا لم يحصل ولم يقع به انتفاع. ثمّ إنّ الله تعالى خلق الحجرين المعدنيّين من الذّهب والفضّة قيمة لكلّ متموّل، وهما الذّخيرة والقنية لأهل العالم في الغالب. وإن اقتنى سواهما في بعض الأحيان فإنّما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق الّتي هما عنها بمعزل فهما أصل المكاسب والقنية والذّخيرة. وإذا تقرّر هذا كلّه فاعلم أنّ ما يفيده الإنسان ويقتنيه من المتموّلات إن كان من الصّنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله وهو القصد بالقنية إذ ليس هناك إلّا العمل وليس بمقصود بنفسه للقنية. وقد يكون مع الصّنائع في بعضها غيرها مثل التّجارة والحياكة معهما الخشب والغزل إلّا أنّ العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر وإن كان من غير الصّنائع فلا بدّ من قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الّذي حصلت به إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها. وقد تكون ملاحظة العمل ظاهرة في الكثير منها فتجعل له حصّة من القيمة عظمت أو صغرت. وقد تخفى ملاحظة العمل كما في أسعار الأقوات بين النّاس فإنّ اعتبار الأعمال والنّفقات فيها ملاحظ في أسعار الحبوب كما قدّمناه لكنّه خفيّ في الأقطار الّتي علاج الفلح فيها ومؤنته يسيرة فلا يشعر به إلّا القليل من أهل الفلح. فقد تبيّن أنّ المفادات والمكتسبات كلّها أو أكثرها إنّما هي قيم الأعمال الإنسانيّة وتبيّن مسمّى الرّزق وأنّه المنتفع به. فقد بان معنى الكسب والرّزق وشرح مسمّاهما. واعلم أنّه إذا فقدت الأعمال أو قلّت بانتقاص العمران تأذّن الله برفع الكسب أترى إلى الأمصار القليلة السّاكن كيف يقلّ الرّزق والكسب فيها أو يفقد لقلّة الأعمال الإنسانيّة وكذلك الأمصار الّتي يكون عمرانها [١] أكثر يكون أهلها أوسع أحوالا