للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرّبها جميعا، وعاثت عساكره فيها بما لم يسمع أشنع منه. ونهض السلطان في عساكره لاستنقاذها، وسبق إلى دمشق، وأقام في مقابلته نحوا من شهر، ثم قفل راجعا إلى مصر، وتخلّف الكثير من أمرائه وقضاته، وكنت في المخلّفين. وسمعت أن سلطانهم تمر سأل عنّي، فلم يسع إلا لقاؤه فخرجت إليه من دمشق، وحضرت مجلسه، وقابلني بخير، واقتضيت منه الأمان لأهل دمشق، وأقمت عنده خمسا وثلاثين يوما، أباكره وأراوجه. ثمّ صرفني، وودّعني على أحسن حال، ورجعت إلى مصر. وكان طلب منّي بغلة كنت أركبها فأعطيته إياها، وسألني البيع فتأفّفت منه، لما كان يعامل به من الجميل، فبعد انصرافي إلى مصر بعث إليّ بثمنها مع رسول كان من جهة السلطان هنالك، وحمدت الله تعالى على الخلاص من ورطات الدنيا.

وهؤلاء الطّطر هم الذين خرجوا من المفازة وراء النّهر، بينه وبين الصين، أعوام [١] عشرين وستّمائة مع ملكهم الشهير جنكزخان وملك المشرق كلّه من أيدي السّلجوقية ومواليهم إلى عراق العرب، وقسم الملك بين ثلاثة من بنيه وهم جفطاي، وطولي، ودوشي خان:

فجفّطاي كبيرهم، وكان في قسمته تركستان وكاشغر، والصّاغون، والشّاش وفرغانة، وسائر ما وراء النّهر من البلاد.

وطولي كان في قسمته أعمال خراسان، وعراق العرب وبلاد فارس وسجستان والسند. وكان أبناؤه: قبلاي، وهولاكو.

ودوشي خان كان في قسمته بلاد قبجق، ومنها صراي، وبلاد الترك إلى خوارزم.

وكان لهم أخ رابع يسمى أوكداي كبيرهم، ويسمّونه الخان، ومعناه صاحب التّخت، وهو بمثابة الخليفة في ملك الإسلام. وانقرض عقبه، وانتقلت الخانيّة إلى قبلاي، ثم إلى بني دوشي خان، أصحاب صراي. واستمرّ ملك الططر في هذه الدّول الثلاث، وملك هولاكو بغداد، وعراق العرب، إلى ديار بكر ونهر الفرات.

ثم زحف إلى الشام وملكها، ورجع عنها، وزحف إليها بنوه مرارا، وملوك مصر من الترك يدافعونهم عنها، إلى أن انقرض ملك بني هولاكو أعوام أربعين وسبعمائة،


[١] كذا بالأصل، وهو تعبير مألوف في أسلوب ابن خلدون. ورد كثيرا في أماكن متفرقة من كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>