للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم نادرة أو غريبة من الأعمال السّحريّة يموّه بها على تصديق ما بقي من دعواه وهو بمعزل عن السّحر وطرقه فتولّع كثير من ضعفاء العقول بجمع الأيدي على الاحتفار والتّستّر فيه بظلمات اللّيل مخافة الرّقباء وعيون أهل الدّول، فإذا لم يعثروا على شيء ردّوا ذلك إلى الجهل بالطّلّسم الّذي ختم به على ذلك المال يخادعون به أنفسهم عن إخفاق مطامعهم. والّذي يحمل على ذلك في الغالب زيادة على ضعف العقل إنّما هو العجز عن طلب المعاش بالوجوه الطّبيعيّة للكسب من التّجارة والفلح والصّناعة فيطلبونه بالوجوه المنحرفة وعلى غير المجرى [١] الطّبيعيّ من هذا وأمثاله عجزا عن السّعي في المكاسب وركونا إلى تناول الرّزق من غير تعب ولا نصب في تحصيله واكتسابه ولا يعلمون أنّهم يوقعون أنفسهم بابتغاء ذلك من غير وجهه في نصب ومتاعب وجهد شديد أشدّ من الأوّل ويعرّضون أنفسهم مع ذلك لمنال العقوبات. وربّما يحمل على ذلك في الأكثر زيادة التّرف وعوائده وخروجها عن حدّ النّهاية حتّى تقصّر عنها وجوه الكسب ومذاهبه ولا تفي بمطالبها. فإذا عجز عن الكسب بالمجرى الطّبيعيّ لم يجد وليجة في نفسه إلّا التّمنّي لوجود المال العظيم دفعة من غير كلفة ليفي له ذلك بالعوائد الّتي حصل في أسرها فيحرص على ابتغاء ذلك ويسعى فيه جهده ولهذا فأكثر من تراهم يحرصون على ذلك هم المترفون من أهل الدّولة ومن سكّان الأمصار الكثيرة التّرف المتّسعة الأحوال مثل مصر وما في معناها فنجد الكثير منهم مغرمين بابتغاء ذلك وتحصيله ومساءلة الرّكبان عن شواذّه كما يحرصون على الكيمياء. هكذا بلغني [٢] عن أهل مصر في مفاوضة من يلقونه من طلبة المغاربة لعلّهم يعثرون منه على دفين أو كنز ويزيدون على ذلك البحث عن تغوير المياه لما يرون أنّ غالب هذه الأموال الدّفينة كلّها في مجاري النّيل وأنّه أعظم ما يستر دفينا أو مختزنا في تلك الآفاق ويموّه عليهم أصحاب تلك الدّفاتر المفتعلة


[١] وفي النسخة الباريسية: الوجه.
[٢] وفي نسخة أخرى: يبلغنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>