للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآفاق؟ هذا يناقض قصد الإخفاء. وأيضا فأفعال العقلاء لا بدّ وأن تكون لغرض مقصود في الانتفاع. ومن اختزن المال فإنّه يختزنه لولده أو قريبه أو من يؤثره. وأمّا أن يقصد إخفاءه بالكليّة عن كلّ أحد وإنّما هو للبلاء والهلاك أو لمن لا يعرفه بالكليّة ممّن سيأتي من الأمم فهذا ليس من مقاصد العقلاء بوجه. وأمّا قولهم: أين أموال الأمم من قبلنا وما علم فيها من الكثرة والوفور؟ فاعلم أنّ الأموال من الذّهب والفضّة والجواهر والأمتعة إنّما هي معادن ومكاسب مثل الحديد والنّحاس والرّصاص وسائر العقارات والمعادن. والعمران يظهرها بالأعمال الإنسانيّة ويزيد فيها أو ينقصها وما يوجد منها بأيدي النّاس فهو متناقل متوارث وربّما انتقل من قطر إلى قطر ومن دولة إلى أخرى بحسب أغراضه [١] . والعمران الّذي يستدعي له فإن نقص المال في المغرب وإفريقية فلم ينقص ببلاد الصّقالبة والإفرنج وإن نقص في مصر والشّام فلم ينقص في الهند والصّين. وإنّما هي الآلات والمكاسب والعمران يوفّرها أو ينقصها، مع أنّ المعادن يدركها البلاء كما يدرك سائر الموجودات ويسرع إلى اللّؤلؤ والجوهر أعظم ممّا يسرع إلى غيره. وكذا الذّهب والفضّة والنّحاس والحديد والرّصاص والقصدير ينالها من البلاء والفناء ما يذهب بأعيانها لأقرب وقت. وأمّا ما وقع في مصر من أمر المطالب والكنوز فسببه أنّ مصر في ملكة القبط منذ آلاف [٢] أو يزيد من السّنين وكان موتاهم يدفنون بموجودهم من الذّهب والفضّة والجواهر واللّئالئ على مذهب من تقدّم من أهل الدّول فلمّا انقضت دولة القبط وملك الفرس بلادهم نقّروا على ذلك في قبورهم فكشفوا عنه فأخذوا من قبورهم ما لا يوصف:

كالأهرام من قبور الملوك وغيرها. وكذا فعل اليونانيّون من بعدهم وصارت قبورهم مظنّة لذلك لهذا العهد. ويعثر على الدّفين فيها كثيرا من الأوقات. أمّا ما يدفنونه من أموالهم أو ما يكرّمون به موتاهم في الدّفن من أوعية وتوابيت من


[١] وفي النسخة الباريسية: أعواضه.
[٢] وفي النسخة الباريسية: منذ ألفين اثنين وفي نسخة أخرى منذ ألف.

<<  <  ج: ص:  >  >>