للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتناولها. وكثيرا ما يخلطون بالأغذية من التّوابل والبقول والفواكه، رطبا ويابسا في سبيل العلاج بالطّبخ ولا يقتصرون في ذلك على نوع أو أنواع. فربّما عدّدنا في اليوم [١] الواحد من ألوان الطّبخ أربعين نوعا من النّبات والحيوان فيصير للغذاء مزاج غريب. وربّما يكون غريبا [٢] عن ملاءمة البدن وأجزائه. ثمّ إنّ الأهوية في الأمصار تفسد بمخالطة الأبخرة العفنة من كثرة الفضلات. والأهوية منشّطة للأرواح ومقوّية بنشاطها الأثر الحارّ الغريزيّ في الهضم. ثمّ الرّياضة مفقودة لأهل الأمصار إذ هم في الغالب وادعون ساكنون لا تأخذ منهم الرّياضة شيئا ولا تؤثّر فيهم أثرا، فكان وقوع الأمراض كثيرا في المدن والأمصار وعلى قدر وقوعه كانت حاجتهم إلى هذه الصّناعة. وأمّا أهل البدو فمأكولهم قليل في الغالب والجوع أغلب عليهم لقلّة الحبوب حتّى صار لهم ذلك عادة. وربّما يظنّ أنّها جبلّة لاستمرارها. ثمّ الأدم قليلة لديهم أو مفقودة بالجملة. وعلاج الطّبخ بالتّوابل والفواكه إنّما يدعو إلى ترف الحضارة الّذين هم بمعزل عنه فيتناولون أغذيتهم بسيطة بعيدة عمّا يخالطها ويقرّب مزاجها من ملاءمة البدن. وأمّا أهويتهم فقليلة العفن لقلّة الرّطوبات والعفونات إن كانوا آهلين، أو لاختلاف الأهوية إن كانوا ظواعن. ثمّ إنّ الرّياضة موجودة فيهم لكثرة الحركة في ركض الخيل أو الصّيد أو طلب الحاجات لمهنة أنفسهم في حاجاتهم فيحسن بذلك كلّه الهضم ويجود ويفقد إدخال الطّعام على الطّعام فتكون أمزجتهم أصلح وأبعد من الأمراض فتقلّ حاجتهم إلى الطّبّ. ولهذا لا يوجد الطّبيب في البادية بوجه. وما ذاك إلّا للاستغناء عنه إذ لو احتيج إليه لوجد، لأنّه يكون له بذلك في البدو معاش يدعوه إلى سكناه «سنة الله في عباده وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا ٣٣: ٦٢» .


[١] وفي نسخة أخرى: اللوث.
[٢] وفي نسخة أخرى: بعيدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>