للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل تونس. واتّصل سند تعليمهما في تلاميذهما جيلا بعد جيل حتّى انتهى إلى القاضي محمّد بن عبد السّلام. شارح بن الحاجب وتلميذه وانتقل من تونس إلى تلمسان في ابن الإمام وتلميذه. فإنّه قرأ مع ابن عبد السّلام على مشيخة واحدة في مجالس بأعيانها وتلميذ ابن عبد السّلام بتونس وابن الإمام بتلمسان لهذا العهد إلّا أنّهم من القلّة بحيث يخشى انقطاع سندهم. ثمّ ارتحل من زواوة في آخر المائة السّابعة أبو عليّ ناصر الدّين المشداليّ وأدرك تلميذ أبي عمرو بن الحاجب وأخذ عنهم ولقّن تعليمهم. وقرأ مع شهاب الدّين القرافيّ في مجالس واحدة وحذق في العقليّات والنّقليّات. ورجع إلى المغرب بعلم كثير وتعليم مفيد. ونزل ببجاية واتّصل سند تعليمه في طلبتها. وربما انتقل إلى تلمسان عمران المشداليّ [١] من تلميذه وأوطنها وبثّ طريقته فيها. وتلميذه لهذا العهد ببجاية وتلمسان قليل أو أقلّ من القليل. وبقيت فاس وسائر أقطار المغرب خلوا من حسن التّعليم من لدن انقراض تعليم قرطبة والقيروان ولم يتّصل سند التّعليم فيهم فعسر عليهم حصول الملكة والحذق في العلوم. وأيسر طرق هذه الملكة فتق [٢] اللّسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلميّة فهو الّذي يقرّب شأنها ويحصّل مرامها. فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلميّة سكوتا لا ينطقون ولا يفاوضون وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة. فلا يحصلون على طائل من ملكة التّصرّف في العلم والتّعليم. ثمّ بعد تحصيل من يرى منهم أنّه قد حصّل تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علّم وما أتاهم القصور إلّا من قبل التّعليم وانقطاع سنده. وإلّا فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدّة عنايتهم به، وظنّهم أنّه المقصود من الملكة العلميّة وليس كذلك. وممّا يشهد بذلك في المغرب أنّ المدّة المعيّنة لسكنى طلبة العلم بالمدارس عندهم ستّ عشرة سنة وهي بتونس خمس سنين. وهذه المدّة بالمدارس على المتعارف


[١] وفي نسخة أخرى: المشدّالي وهو تحريف والمشدالي نسبة إلى مشدالة من قبائل زواوة في المغرب.
[٢] وفي نسخة أخرى: قوّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>