هي أقلّ ما يتأتى فيها لطالب العلم حصول مبتغاه من الملكة العلميّة أو اليأس من تحصيلها فطال أمدها في المغرب لهذه المدّة لأجل عسرها من قلّة الجودة في التّعليم خاصّة لا ممّا سوى ذلك. وأمّا أهل الأندلس فذهب رسم التّعليم من بينهم وذهبت عنايتهم بالعلوم لتناقص عمران المسلمين بها منذ مئين من السّنين. ولم يبق من رسم العلم فيهم إلّا فنّ العربيّة والأدب. اقتصروا عليه وانحفظ سند تعليمه بينهم فانحفظ بحفظه. وأمّا الفقه بينهم فرسم خلو وأثر بعد عين. وأمّا العقليّات فلا أثر ولا عين. وما ذاك إلّا لانقطاع سند التّعليم فيها بتناقص العمران وتغلّب العدوّ على عامّتها إلّا قليلا بسيف البحر شغلهم بمعايشهم أكثر من شغلهم بما بعدها.
والله غالب على أمره. وأمّا المشرق فلم ينقطع سند التّعليم فيه بل أسواقه نافقة وبحوره زاخرة لاتّصال العمران الموفور واتّصال السّند فيه. وإن كانت الأمصار العظيمة الّتي كانت معادن العلم قد خربت مثل بغداد والبصرة والكوفة إلّا أنّ الله تعالى قد أدال منها بأمصار أعظم من تلك. وانتقل العلم منها إلى عراق العجم بخراسان، وما وراء النّهر من المشرق، ثمّ إلى القاهرة وما إليها من المغرب، فلم تزل موفورة وعمرانها متّصلا وسند التّعليم بها قائما. فأهل المشرق على الجملة أرسخ في صناعة تعليم العلم بل وفي سائر الصّنائع. حتّى إنّه ليظنّ كثير من رحالة أهل المغرب إلى المشرق في طلب العلم أنّ عقولهم [١] على الجملة أكمل من عقول أهل المغرب وأنّهم أشدّ نباهة وأعظم كيسا بفطرتهم الأولى. وأنّ نفوسهم النّاطقة أكمل بفطرتها من نفوس أهل المغرب. ويعتقدون التّفاوت بيننا وبينهم في حقيقة الإنسانيّة ويتشيّعون لذلك ويولعون به لما يرون من كيسهم في العلوم والصّنائع وليس كذلك. وليس بين قطر المشرق والمغرب تفاوت بهذا المقدار الّذي هو تفاوت في الحقيقة الواحدة اللَّهمّ إلّا الأقاليم المنحرفة مثل الأوّل والسّابع فإنّ الأمزجة فيها منحرفة والنّفوس على نسبتها كما مرّ وإنّما الّذي فضل به أهل