للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكمل الفقه وأصبح صناعة وعلما فبدّلوا باسم الفقهاء والعلماء من القرّاء. وانقسم الفقه فيهم إلى طريقتين: طريقة أهل الرّأي والقياس وهم أهل العراق وطريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز. وكان الحديث قليلا في أهل العراق لما قدّمناه فاستكثروا من القياس ومهروا فيه فلذلك قيل أهل الرّأي. ومقدّم جماعتهم الّذي استقرّ المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة وإمام أهل الحجاز مالك بن أنس والشّافعيّ من بعده. ثمّ أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظّاهريّة. وجعلوا المدارك [١] كلّها منحصرة في النّصوص والإجماع وردّوا القياس الجليّ والعلّة المنصوصة إلى النّصّ، لأنّ النّصّ على العلّة نصّ على الحكم في جميع محالّها. وكان إمام هذا المذهب داود بن عليّ وابنه وأصحابهما. وكانت هذه المذاهب الثّلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمّة. وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصّحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمّة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلّها أصول واهية وشذّ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل [٢] الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح. فلا نعرف شيئا من مذاهبهم ولا نروي كتبهم ولا أثر لشيء منها إلّا في مواطنهم. فكتب الشّيعة في بلادهم وحيث كانت دولتهم [٣] قائمة في المغرب والمشرق واليمن والخوارج كذلك. ولكلّ منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة. ثمّ درس مذهب أهل الظّاهر اليوم بدروس أئمّته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلّا في الكتب المجلّدة [٤] وربّما يعكف كثير من الطّالبين ممّن تكلّف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها ومذهبهم فلا يخلو بطائل ويصير إلى مخالفة الجمهور وإنكارهم عليه وربّما عدّ بهذه النّحلة من أهل


[١] وفي نسخة أخرى: مدارك الشرع.
[٢] وفي نسخة أخرى: ولم يحفل.
[٣] وفي نسخة أخرى: دولهم.
[٤] وفي النسخة الباريسية: في الكتب المخلدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>